في أحد المستشفيات الحكوميّة: إلى طبيبة مُقيمة, حولني الجراح السّعودي, وكتب توصية في ملفي بضرورة عمل أشعة (الرنين المغناطيسي على الرأس )
دخلت على الطبيبة, وأخبرتها برغبة الطبيب الذي حُوّلتُ إليها من عيادته.
قرأتْ ملفي بوجه عابس, بعد أن استعارت نظرة العالم العارف, ثم زمّت شفتيها واستنكرت: كيف يكتب لي أشعة رنين, وحالتي -من وجهة نظرها- لا تستدعي ذلك.
طبعًا كل هذا الحوار بنبرة من يريد التقليل من شأن أحدهم!
ثم قالت لي: إنها لا ترى حاجتي لهذه الأشعة، وإذا كنتُ مُصرّة عليّ أن أعملها على حسابي في الخارج بسبب ضيق المواعيد!!
أخبرتها بأنني مواطنة!
فأكدت لي بنظرة ملؤها السخرية أنها تعلم ذلك, وأن كوني مواطنة لا يبيح لي عمل أشعة مكلفة كهذه!!
شكوت إلى المشرف الذي توجه معي للعيادة, وقرأ توصية الجراح, وطلب منها أن تكتب لي على الأشعة -وكأنه يرجوها- وقال: اكتبي لها, حتى لو تأخر موعدها كثيرًا, بنبرة من يقول:» يابنت الحلال سكتيها,وفكينا منها», فظلت تتحجج بطول مدة المواعيد بسبب الزحام, وأن إقفال الملف في هذه الحالة سيطول, وحوّلت قضيتي أمام عيني إلى قضية رأي عام دون مراعاة لمشاعري!
ثم أخذت تكيل الاتهامات أمام المشرف لذلك الجراح, وتشتكيه, في قضايا لا شأن لي بها.
كلّ هذا, وعلامة استفهام كبيرة تحوم حول رأسي, وتصرخ بعلو صوتها: ما ذنبي أنا المواطنة بسرد كل هذه السناريوهات أمامي؟!!
فزت بالورقة أخيرًا!
وتوجهت لقسم الأشعة الذي استقبلني موظفها, وهو يخلل بين أسنانه, وقرأ الورقة, ثم شفط من كوب شايه شفطة ظننتها سحبت كلّ أكسجين الممر معها, وقال بنبرة باهتة:
(أنت تعرفين إن مواعيدنا طويلة طبعا.. ممكن ستة شهور على مايجيك الدور)
أجبته بنعم.
ثم وافقتُ على سيل العراقيل التي ذكرها بعد ذلك -بعد أن لمعت في ذهني فكرة انتقام عظيمة-
كتب لي أتعس موعد ممكن أن يتخيله مريض يعاني, وسيُبنى على نتيجة الأشعة إغنائه عن التهام أدوية مبنية على التخمين, أو تخفيف عارض, وتسكينه.
أخذت الموعد, وتوجهت للمدير, فأخبرته بطبيعة معاناتي, وأن أيّ تأخير للأشعة سيجعلني ألتهم هذه العقاقير التي تمنعني من ممارسة حياتي بشكل طبيعي, وتحدثت معه لأول مرة في حياتي بنبرة: ( نخيتك ما نخيت رخوم),فظهر الوطن على هيئة ذلك المنقذ, وكتب لي خطابًا أربك كلّ من في قسم الأشعة, فأعطوني موعدًا خلال أسبوعين فقط!
أتذكر يومها كأن قلبي من فرط سعادته زأر بـ( يااربااااه!) على طريقة المعلق الرياضي (فارس عوض), فالحصول على حقي يومها كان انتصارًا.
-طبعًا- من فرش في درب كرامتي العراقيل, لم ينسَ أن يزمّ شفتيه -هو الآخر- ويهز رأسه محوقلًا : لكنه سيضغطنا!
عمومًا أعطيتك موعدًا عند الواحدة ظهرًا, لكن لابد من تواجدك من الثامنة صباحًا حتى أتصرف!- وأظن العبارة الأخيرة كانت نكاية بي, وردعًا لأمثالي حتى لا تعتاد أقدامنا السير تجاه مكاتب المدراء والمشرفين-
حضرت في تمام الثامنة صباحًا, ودخلت التاسعة إلا ربعًا غرفة الرنين!
تقلّص الموعد بقدرة الله إلى خمسة وأربعين دقيقة انتظار, بعد أن كنتُ سأنتظر–بحسب كلامه التعجيزي - خمس ساعات.
أظن الثامنة صباحًا كانت هي ساعة موعدي الأساسي الذي أراد أن يطحن نفسيتي بسببه.
والسؤال الذي يطرح نفسه بعد كلّ هذا الإرهاب النفسي :
هل ما أخذته كان حقي بوصفي مواطنة أم لا؟!
هل المواعيد تُدّخر لذويهم؟!
لماذا حتى نحصل على حقوقنا, علينا أن نستعير كلّ نبرات النخوة, ونحن مواطنون , وتلك المستشفيات للوطن؟!
- د. زكية بنت محمد العتيبي
zakyah11@gmail.com