فهد بن جليد
جاء من أمريكا يحمل شهادته في العلاقات الدولية، كان مُتحمساً لتطبيق نظريات جديدة تتعلق بتخصصه ودراسته، حُلمه أن يكون موظفاً في شركة مرموقة، أو رئيساً لقسم العلاقات فيها على أبعد تقدير، وبعد أن تقدم لإحدى الشركات الخليجية للعمل في مجال الاتصال الخارجي، أخبره المدير (الأجنبي) أنَّه يلزم أن يخضع لاختبار وتحليل نفسي (كشرط) للالتحاق بالعمل وفق نظام الشركة، ثار غضباً: ولكنني لست (مريضاً نفسياً)، أنا أحمل مؤهلاً وأطلب وظيفة! ابتسم في وجهه المدير، وقال له بهدوء: الآن تأكد لي أنَّك يجب أن تخضع لهذا الاختبار قبل الانضمام إلى فريقنا..
بعد يومين راجع نفسه، ووجد ألا خيار أمامه من الخضوع للاختبار المطلوب للحصول على الوظيفة، وبالفعل كان عليه أن يجيب على 3 أوراق مليئة بالأسئلة المنوعة قبل جلسة الاستماع والحوار مع المستشار النفسي للشركة، بعدها ظهرت النتيجة «مبروك، تم قبولك في قسم الموارد البشرية»، بتوصية المستشار النفسي. استغرب.. ولكن شهادتي ودراستي في العلاقات الدولية؟ فأجابه المدير: نحن نمتلك فريقاً رائعاً في قسم الموارد البشرية، ولكنه بحاجة إلى شخص متحمس يتحلى بالتنسيق والتنظيم، وفي الوقت ذاته صبور يملك مهارات وأسساً علمية، سريع في اتخاذ القرار، قادر على بناء وتشكيل فرق العمل بإيجابية والتأثير عليها، شخصية فذة جريئة في التدخل ومعالجة المشكلات، وأنت تتمتع بكل هذه المواصفات بناء على التحليل النفسي لشخصيتك..
بالفعل التحق بالعمل على مضض، وتدرج في الوظيفة مُحققاً نجاحات مُتلاحقة، حتى وصل إلى منصب نائب الرئيس، بفضل الاختبار والتحليل النفسي لشخصيته قبل تعيينه، الذي كان السر في تغيير مسار حياته. هذه القصة التي رواها لي صاحبها بنفسه، تؤكد أهمية مثل هذه الخطوة عند التوظيف، التي هي بمنزلة (الكنز المفقود) في مؤسساتنا العامة والخاصة، من أجل معرفة المواصفات الحقيقية المطلوبة لشغل الوظيفة بعيداً عن المؤهل العلمي فقط، ليتم اختيار وتحديد الموظف المناسب المُحقق لأهداف الوظيفة وليس المُتناسق معها في المُسمى فقط.
على الجانب الآخر تعكس لنا القصة والتجربة أنَّ الدراسة والشهادة التي يحملها الباحث عن عمل قد تُعيق أحلامه ونجاحاته إذا تمسك بها، بينما قد تُفجر في داخله طاقات إبداعية جديدة في منصة بعيدة عن التخصص، متى ما أحسن المزج بين ذلك، وبين شخصيته ومهاراته التي لن يتم اكتشافها دون الخضوع لاختبار وتحليل نفسي قبلي.
كم من مُبدع (ما زال عاطلاً) أعاق (مؤهله العلمي) مُستقبله؟ وكم من شهادة دفعت بالشخص غير المناسب للجلوس على الكرسي؟!
وعلى دروب الخير نلتقي.