د. خيرية السقاف
أكيد أنكَ لا تحمل قلماً, وورقة لتسجل فيها كل موقف يمر بك, أو تنقل إليها أية خفقة حس تبادرك في وقتها..
إلا ما تلتقطه لحظة فرح, ترح, اندهاش, ويبقى في حيِّز رمزي جامد,
أو متحرك لا يحمل لك من تفاصيلك كما هي إلاّ مؤشراّ لما كان من صورة منها تكلح مع الزمن, وصوت يُحشرج معه!!
أنت لست آلة حاسبة تحصي حركاتك بوقعها كما هي, ولا عدسة لاقطة توثق لحظاتك لحظة لحظة بحذافيرها..
تجاربك كاملة, ومواقفك كلها, وحصاد أيامك بتفاصيلها لا تملك أن تحتفظ بها كما هي دون أن تسقط منها الحالة, والجزيئة, والتفصيل !!..
والكليات في البقاء لا تعين على البقاء!!
لكن الوعاء الخفي فيك, المخلوق ليحفظ لك ما تيسّر مما ينتقيه لك منك, أو يحفظه عنك لك, أو يستوعبه مما تُبقيه الهيئة لك ما بقيت فيك قدرة التصور, والاستلهام من المضمون ما كنت قادراً على الإحضار..
ويتلاشى شيئاً فشيئاً من هذا الوعاء ما فيه كلما غذ المسار, وداهمك من الطريق آخره!!..
وفي كل ذلك أنت لا تدري!!
لا تدري كيف يعمل المخبأ الذكي فيك, ولا تدري كيف يعيد لك ما فيه..
مع أنك قد تسجل شيئاً من مجمل ما كان خارجه في قرطاس, أو إطار غير أنه ليس كما كان!!..
فنسبة الدقة فيه خاضعة لطبيعتك, ومقدرات تركيبتك, ومتاحاتك في مجمل صنيع الله فيك!!..
ولأنك محدود فلا دقة البتة في أي أثر بشري,
ولا حقيقة مطلقة فيما يحاكي من فعل, وقول كانا, ولو هو الفاعل ذاته!!..
شيء واحد يتيم يكون لك منك, هو خلاصة لا تتجزأ في تفاصيل تلك الحسرة طويلة الآهة تصدر عنك حين تكون في آخر المشوار, تتوكأ عصا قواك الباقية,
وثمة ما يلوب في جوفك من الأسئلة.......
تأمّل لو أنك أدركت إجاباتها المبسوطة بين عينيك في هذه اللحظة
حين كنت في بداية الطريق!!
لماذا؟!,
لعلك لا تدري, أو تدري
لكن الماء قد تسلل من بين يديك,
والزهور اليانعة غدت مسحوقاً تذره يداك مع الهواء الذي يتجه للجهة المعاكسة لاتجاهك وأنت توشك أن تبلغ النهاية وتمضي,
وهو يمضي..!!