د.عبدالرحيم محمود جاموس
موقع الرئيس في النظام الأمريكي لا شك أنه رأس السلطة التنفيذية، ويحتل موقع الصدارة بين المؤسسات الفاعلة والناظمة للقرار الأمريكي، بجانب المؤسسات الأخرى الناظمة للنظام في الولايات المتحدة، ومنها الكونغرس، ومجلس الأمن القومي، ووزراة الخارجية، والبنتاغون، ولا ننسى تأثر مواقف هذه المؤسسات بمجموعات المصالح (اللوبيات) التي تسعى للتأثير في القرار السياسي لخدمة مصالحها، سواء هذه المجموعات ذات أبعاد اقتصادية أو سياسية أو إثنية، فهناك لوبيات النفط، ولوبيات الصناعات العسكرية، واللوبيات اليهودية والمسيحية المتصهينة... وغيرها من المجموعات ذات المصالح، التي تمثل محصلة تأثيراتها القرار أو الموقف لأمريكا، الذي يعبر عن هذه المصالح التي قد تبدو أحيانا متعارضة ولكنها تمثل في نهاية المطاف المصلحة العليا للولايات المتحدة الأمريكية، فإذا ما تم الاصطفاف والتوافق بين هذه المؤسسات متخذة القرار ومجموعات المصالح ذات التأثير في قراراتها، إزاء قضية ما داخلية أو خارجية، عسكرية أو سياسية، اقتصادية أو غيرها... فإن تلك المسألة أو القضية تأخذ طريقها للحل عبر قرارات وسياسات تتوافق بشأنها هذه المؤسسات الممثلة للنظام الأمريكي إزاء العديد من القضايا والمسائل، لذلك اليوم بعد مرور شهرين على تولي الرئيس ترامب باتت تصريحاته مختلفة عن تلك التصريحات التي كان يدلي بها أثناء حملته الانتخابية، فقد بدأ الرئيس ترامب الهبوط عن شجرة الانتخابات، واعتلاء شجرة المصالح القومية الأمريكية، في سياق البناء المؤسسي للنظام الأمريكي الذي يحكمه دستور شبه جامد يلزم مؤسسة الرئاسة أن تبحث عن آليات التنسيق والانسجام مع المؤسسات الأخرى في صياغة المواقف والسياسات الأمريكية، فنقل السفارة الأمريكية إلى القدس بات مسألة مؤجلة بالنسبة للرئيس ترامب، لأنه يعرف أن الإقدام على مثل هذا الموقف والقرار سوف يتعارض مع مصالح الولايات المتحدة التي تسعى إلى تطوير علاقاتها بالدول العربية خاصة والإسلامية عامة، ولما لهذا الموقف من انعكاسات سلبية على ذلك، وأيضاً موضوع الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، هناك موقف ثابت للإدارات الأمريكية المتعاقبة منه أنه لا يخدم السلام بين الطرفين، ويخلق عقبات في طريق عملية السلام، كما أن مسألة أمن إسرائيل لا يمكن ضمانها في ظل استمرار احتلالها للأراضي العربية والفلسطينية وإغلاق الطريق أمام الشعب الفلسطينيي يحقق تطلعاته في إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية، وكذلك محاربة آفة الإرهاب في الشرق الأوسط وإبعاد شبح تأثيراته المختلفة، لا يمكن أن ينجح دون حل للقضية الفلسطينية، إن نجاح التحالف الإقليمي أو الدولي في مواجهة الإرهاب يقتضي قبل أي شيء، إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي وإيجاد حل للقضية الفلسطينية على أساس مبدأ الدولتين.
على ضوء ما سلف يجب النظر إلى لقاء الرئيس ترامب بالرئيس أبو مازن يوم 3 مايو المقبل، الذي سبقه اتصالات مهمة ومكثفة من طرف المندوبين بين الطرفين سواء على المستوى الأمني أو السياسي، وحددت بالتأكيد هذه اللقاءات الرؤى والمواقف من المواضيع التي سوف تكون محل البحث بين الرئيسين، وتدرك الإدارة الأمريكية مدى الجدية لدى الرئيس الفلسطيني والسلطة الفلسطينية ولدى منظمة التحرير الفلسطينية وكذلك لدى الدول العربية بالالتزام بعملية السلام على أساس الشرعية الدولية ومبدأ حل الدولتين ومبادرة السلام العربية الذي أعيد التأكيد عليها في القمة العربية مؤخراً في عمان، والرئيس ترامب والإدارة الأمريكية بات واضحاً لهم أن المواقف المتطرفة لحكومة إسرائيل سواء من الاستيطان وغيرها، لا تؤدي إلى إطلاق عملية تفاوضية ذات جدوى في التوصل إلى اتفاق سلام ينهي الصراع على تلك الأسس والمبادئ التي تقرها الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، وهنا يكمن دور الرئيس ترامب والولايات المتحدة في ممارسة الضغط والتأثير على الحكومة الإسرائيلية في التخلي عن هذه المواقف المتطرفة، كي يصبح في الإمكان إطلاق عملية تفاوضية بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي ذات هدف واضح، وأن ينتقل الرئيس ترامب بموقف الولايات المتحدة من موقف إدارة الصراع، إلى موقف العمل على إنهاء الصراع، وإنجاز حل عادل ومقبول، يسجل من خلاله الرئيس ترامب إنجازاً مهماً لسياسته الخارجية عجز عنه الرؤساء السابقين، وفوائده للمنطقة وللسياسة الأمريكية ستكون بالغة الأثر، ولا تخفى على أحد، فهل يُقدم على ذلك؟!