سام الغُباري
في اليمن غرائب تشبه الأوهام، أو هي وهمٌ يحضر في العقول كمقدسات يقودها أسف وعتاب للتشكيك في مواقف مضادة، من تلك الأوهام مثلًا الاعتقاد بقدرة الحرس الجمهوري على حماية الجمهورية، جمهورية الزعيم عبدالله السلال وأهداف ثورة سبتمبر، لم تفعل ألوية الحرس الجمهوري شيئًا في مواجهة الحوثيين الذين كانوا يمرون من أمامها ويلقون على أهلها التحية وكأنهم في حدود دولة أخرى لا يعنيهم شأن صعدة وعمران وصنعاء وما بعدهن من المحافظات اليمنية المتخمة بالجنود والأسلحة المتطورة وقوات النخبة.
- يبدو أن «الحرس الجمهوري» كان مُكلفًا بحماية جمهورية أخرى غير اليمن!، وحتى آخر نقطة وصل إليها الحوثيون في تمردهم الحزين كانت ألوية الحرس وكتائبه وجنوده يتسامرون في «فيس بوك» لإطلاق الضحكات المتشفية على الرئيس المنتخب عبدربه منصور هادي وقد صار وحيدًا في عاصمة متخمة بأكثر من مئة ألف جندي نظامي وعشرة آلاف ضابط، ويوم غادر إلى عدن متخفيًا لاحقته أسلحة وألوية الحرس الجمهوري وكتائب الأمن المركزي بقيادة عبدالملك الحوثي - عدو الجمهورية الأول -!
- في الخفاء يستنكر واهم ضال «عاصفة الحزم» ويقول : لو أنها تأخرت قليلًا لردعت قوات الحرس الحوثيين وهزمتهم!، كيف يا أبا العريف ؟، يجيبني بثقة العارف بخفايا المؤامرات «هي خطة أصلًا!!»، كيف يا أبا العريف؟، يشير بيده منزعجًا من وصفي ويستطرد : الخطة أن نسمح للحوثيين بالقضاء على الإصلاح وقلع الرئيس هادي ثم نقضي عليهم في حرب خاطفة وبهذا نكون قد ضربنا ثلاثة عصافير بحجر واحد!.
- عبقرية فذة!، أليس كذلك ؟، تلك الشائعة سكنت وهم الكثيرين حتى أنهم يرددونها بلا حياء، وفي الخطة أيضًا ما أغفله صاحبنا، ومنها نهب المصرف المركزي وفصل الموظفين المؤتمريين وضربهم وأخيرًا الوصول بهم إلى تهمة «الطابور الخامس» والتحريض عليهم والإصرار على إصدار قانون الطوارئ الذي لا وجود له أصلًا لحشرهم مع المعتقلين الإصلاحيين السابقين في أقبية مجهولة فلا يبق لهم ذكر أو يُعرف مصيرهم الأخير.
- لقد أثبت الحرس الجمهوري أنه دخان كبير يوقد من مطبخ «الكدم»، عالم افتراضي يحتشد جنوده في وسائل التواصل الاجتماعي لإطلاق الشتائم على الإصلاحيين، كتائب إليكترونية لجرف الوعي العام تتكاثر في «فيس بوك» مثل الصفحات والأسماء المستعارة، وإهانة الدولة التي تستحق في نظرهم السقوط إن لم يكن «قائد الحرس» رئيسها، وإذلال النظام العام والمواطنين بتولي أمثال محمد علي الحوثي وصالح الصماد قيادة بلد تعرض لفضيحة حين أعلن صحفي مثل «عبدالكريم الخيواني» إلغاء العمل بالدستور النافذ وتنصيب لجنة ثورية عليا وحل البرلمان والشورى وإقالة الحكومة وتهديد الجيش وتسريح ضباطه دون أن ينبس أحدٌ ببنت شفه!
- ما الذي كان يفعله الحرس الجمهوري المكون من 17 لواء، منها صواريخ ودبابات ومشاة آلية، وتتوزع ألويته في المنطقة الوسطى، ذمار وصنعاء، ممتداً إلى الجوف وحرف سفيان، وتسانده القوات الخاصة في المهمات الصعبة، في تلك اللحظات التي شاهدوا فيها رأي العين انتهاك الحوثيين لسيادة الدولة وإسقاط الحكومة واحتلال المؤسسات والمرافق الأمنية والعسكرية ؟، لقد انشغلوا في مهمة حماية صفحة «الزعيم» في فيس بوك، استنفروا بالتعليقات والنكزات حتى تجاوزت الصفحة خطر الإغلاق من إدارة الشبكة! تحوّلت قيادات الحرس الجمهوري إلى أشباح في لحظة البحث عنهم لإنقاذ اليمن وحسم العبث الحوثي وردع كل من تسول له نفسه السيطرة على الدولة تحت أي ذريعة حتى لو كان المخلوع «صالح» نفسه!، سيوف ونجوم ونسور ذهبية ونياشين ملونة تتزاحم على أكتاف وصدور ضباط الحرس، وسيارات كالبرق تشخط في وجوهنا كل صباح، وفجأة نكتشف أن هؤلاء الذين حسبناهم عتاة فراعنة أصبحوا أسماءً وهمية في قوات منتفخة كالبالون تتواجد على «فيس بوك» بصفحات مستعارة مثل «فدائي الزعيم، صقر الحرس، تحت أمرك يا زعيم، أسود الوطن» وما إلى ذلك من أسباب التكاثر غير الشرعي في الفراغ.
- لا أريد بهذا مواساة الإصلاحيين في منالهم، لكنها مصيبة الأعوام الطويلة التي حسبناها جدار الصد لغدر الزمان، فكأنما أصيبوا بخسف فأصبحوا كالصريم، وفي هذا الوهم يبرق سؤال حزين كضوء خافت من وراء دخان يدفعني لافتراض تعرض اليمن لحرب مفاجئة من دولة طامعة، كيف كانت فضيحتنا ؟ وقد أراها كذلك حين لم تصمد الدفاعات الجوية ولا الطيران أو الصواريخ والقوات البرية والتشكيلات القتالية التي صرفنا عليها أموال التنمية فما صمدت ساعة في وجه الحوثيين ولا ردت على ما يطلقون عليه «العدوان» ولا فلحوا في شيء إلا العويل وإنشاء الهاشتاقات التي تذوي كالسراب في جحيم «تويتر» المنسي.
.. يا للعار..