م. خالد إبراهيم الحجي
إن كلمة العنقودية (كلستر) تعني عدداً من الأشياء المتشابهة التي تجمعت مع بعضها البعض لتكون مجموعةً واحدةً تتصل بنقطة رئيسية أو ترتبط بمحور مركزي واحد مثل عنقود العنب، وعناقيد الابتكار: تتكون من المبتكرين والمتعهدين المستثمرين والشركات المختلفة، بالاشتراك والتنسيق مع المختبرات المتخصصة ومراكز البحوث العلمية والتطوير، لتتعاون مع بعضها لدعم الاكتشافات المتنوعة والابتكارات المختلفة التي تنفع المجتمعات. وتنقسم عناقيد الابتكار بالنسبة لعملها وإنتاجها إلى قسمين رئيسين:
(1): العناقيد المتشابهة في المنتج نفسه، مثل: مبتكري البرمجيات الحاسوبية الذين يشتركون في أسلوب البرمجة الذي يتصل بتركيب الرموز والكلمات والجُمل والقواعد التي تستخدم لإعطاء التعليمات للحاسب الآلي، مثل: برامج مايكروسوفت المكتبية، وبرامج أوراكل للأعمال الصناعية والتجارية المختلفة. (2): العناقيد المترابطة التي تختص كل مجموعة عنقودية أو شركة في جزء واحد من المنتج، ثم تترابط المجموعات العنقودية والشركات مع بعضها البعض في النهاية لإخراج منتج واحد، مثل: شركات الأجهزة الإلكترونية (الهواتف المحمولة آي فون وسامسونج) الذين يشتركون في تصنيعها، وتحويلها إلى أجهزة ذكية بواسطة تشغيلها بالبرمجيات الحاسوبية للاستفادة منها في حياتنا العملية. ومن أشهر وأكبر مجموعات الابتكار العنقودية وادي السليكون جنوب سان فرانسيسكو في ولاية كالفورنيا الأمريكية؛ موطن عباقرة الابتكار في مجال التقنية، مثل: فيس بوك وجوجل، والآي باد، والمركبات الجوية المبرمجة لتوصيل الطلبات المنزلية، والسيارات الذكية ذاتية القيادة وغيرها؛ لذلك أصبح وادي السلكون منطقة جذب يقصده المبتكرون والمتعهدون والمستثمرون من مختلف أنحاء دول العالم. ويعتبر ستيف جوب مخترع الآي فون الذي سهل على الناس حياتهم اليومية وغير طريقة أداء الأعمال التقليدية إلى الإلكترونية، أيقونة وادي السيلكون واكتسب ريادته بجدارة.. وتواجد عناقيد الابتكار المختلفة في منطقة محددة يحولها إلى أرضٍ خصبةٍ تتوالد عليها عناقيد الابتكار الأخرى، وتنمو فتتكون مصفوفة من عناقيد الابتكار التي تعمل جنباً إلى جنب تحت مظلة النظام الحكومي للابتكارات الذي يساند ويدعم الاكتشافات العلمية وينظم حقوق الملكية ويحفظ براءات الاختراعات، والابتكارات التكنولوجية الحديثة التي تعتمد إلى حد كبير على الترابط بين المتعهدين والمستثمرين وشركات القطاعين الخاص والعام ومراكز البحوث العلمية والجامعات.. والدول المتقدمة والرائدة تنتهج نهجاً إستراتيجياً في مجال الاكتشافات العلمية والابتكارات التكنولوجية لتكوين عناقيد الابتكار كالتالي:
أولاً: تشجيع الموهوبين والنابغين من الشباب ومساندتهم ودعمهم وتوجيههم إلى مجال الموهبة والنبوغ المناسب لهم لتفعيل الاستفادة منهم.
ثانياً: تقديم البرامج الإعلامية عن الاكتشافات العلمية والاختراعات التكنولوجية، وأساليب التعاون بين المكتشفين والمبتكرين وبين المتعهدين والمستثمرين لتحفيز الشباب، وتشجيعهم المستمر بنشر الفديوهات المحفزة عن إنجازات عناقيد الابتكار على الإنترنت.
ثالثاً: مساندة مراكز البحوث العلمية ودعمها وزيادة أعدادها وتفعيل دورها في مجال الاكتشافات العلمية والاختراعات التكنولوجية لخدمة المجتمع.
رابعاً: حث وتحفيز المكتشفين والمبتكرين وزيادة أعدادهم ودعمهم المادي بالترابط والتفاعل مع عناقيد الابتكار الأخرى، والمشاركات العلمية البناءة، والمساهمات العملية الفعالة في نقل المعارف والمهارات وتبادل المعلومات والخبرات والتكنولوجيا بين مختلف مكونات عناقيد الابتكار المختلفة.. وبالإضافة إلى النهج الاستراتيجي السابق يجب على الأئمة والخطباء والدعاة تعزيز خطابهم بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة، بالاشتراك مع الإعلام وأصحاب الرأي والفكر في المجتمع، الاتجاه إلى تأصيل ثقافة الاكتشافات والابتكارات والإبداعات في المجتمع عن طريق توجيه الشباب الموهوبين والنابغين إلى مجالات الاكتشافات العلمية، والابتكارات التكنولوجية كخطوة تمهيدية ومبدئية للوصول إلى تكوين عناقيد الابتكار عن طريق تأسيس مستوًى عالٍ من الفكر، يدفع طلاب العلم إلى إطلاق الفكر من عقاله لسلوك طريق العلوم التطبيقية والتقنية، وبذل أقصى درجات الاجتهاد لتحقيق مستوى التحدي المطلوب في طريق الاكتشافات والابتكارات والإبداعات الذي يفيد المجتمع.
الخلاصة:
إن العوائد المادية والمعنوية من عناقيد الابتكاركبيرة ومفيدة جداً، وتحقيقها يتطلب منطقة مناسبة وبنية تحتية فائقة التطور وكوادر بشرية نابغة.