زكية إبراهيم الحجي
لا شك أن الفساد ومهما كان نوعه هو ظاهرة غير منحسرة بجغرافية ولا مجال محدد ولا وطن بعينه أو مجتمع أو فرد.. ظاهرة مقيتة لا ينجو منها أحد.. وقد اتفقت جميع الشرائع السماوية والقوانين الوضعية على تجريم هذا السلوك مهما كانت أسبابه وأشكاله ومسمياته، وذلك لما يمثله من عائق ضبابي ومانع أخلاقي وعقبة أمام تطوير الفرد والمجتمع والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية وكل منظمات المجتمع والمؤسسات ذات العلاقة الخدمية لأفراد المجتمع.
وحيث إن ظاهرة الفساد تشمل عدة أنواع ومنها الفساد المالي والفساد الإداري اللذان يحتويان على قدر من انحراف متعمد في تنفيذ العمل المالي والإداري المناط بالموظف، أياً كان مركزه الوظيفي، لذا لابد من تسليط الضوء عليه نظراً لارتباطه المباشر بالمصالح العامة للوطن ومؤسساته ودوائره الخدمية ذات العلاقة المباشرة واليومية مع حياة أفراد المجتمع.
إن مسألة الفساد المالي والإداري ليست بمسألة رياضية أو معادلة يمكن احتسابها بالأرقام لنصل إلى فك رموزها وبالتالي، نعطي نتيجة رياضية بحتة بل هي مسألة تعود إلى ذات الشخص إلى وازعه الديني وضميره ومراقبة ذاته.. لنسأل أنفسنا هذا السؤال: تُرى من أين يبدأ الفساد المالي والإداري؟
إنه يبدأ من ذات الفرد نفسه.. فعندما تضع الدولة كامل ثقتها في شخصية ما وتسند إليها مسئولية قيادة دائرة ما سواء كانت هذه الدائرة ذات مساس مباشر بأفراد المجتمع أو أي مؤسسة أخرى من مؤسسات الدولة ثم يستغل مركزه أو وظيفته ويسخرها لمصلحته الخاصة متجاوزاً اعتبارات العدالة الموضوعية كتعيين أقارب ومعارف له..أو شغل الوظائف بأشخاص غير مؤهلين مما يؤثر سلباً على كفاءة الإدارة التي يرأسها من خلال منطقه الذي يؤمن به «المحسوبية والمنسوبية» كذلك لابد من الإشارة بأن مما يدخل في نطاق مظاهر الفساد المالي ظاهرة التلاعب بميزانية الدائرة التي يرأسها الشخص في محاولة للاختلاس.. يضاف إلى ذلك عدم احترام مواعيد العمل مما يؤدي إلى التراخي والتكاسل في انجاز معاملات المراجعين، إلى غير ذلك من مظاهر تؤثر على خط سير الإنتاج ولا تصب في مصلحة الصالح العام.
مما سبق نجد أن ظاهرة الفساد المالي والإداري ظاهرة تأخذ أبعاداً واسعة وتتداخل فيها عوامل مختلفة قد يصعب تمييزها بسهولة، كما أن الآثار المدمرة والنتائج السلبية لهذه الظاهرة المقيتة والمرفوضة قد تطال جميع مقومات الحياة وتعرقل أداء المسؤوليات وإنجاز الوظائف والخدمات وتقف عائقاً أمام عملية التطور والتقدم ليس على المستوى المالي والإداري فقط، بل على جميع المستويات، لذلك فإن علاج هذه الظاهرة لا يكون إلا عن طريق الحوكمة القائمة على الشفافية والمساءلة والمحاسبة..فالشفافية والمساءلة مفهومان مترابطان ويشكلان معاً أحد مقومات الحوكمة الرشيدة المرتبطة ارتباطاً وثيقاً مع مفهوم المحاسبة.
ونظراً لأهمية الحوكمة الرشيدة القائمة على الشفافية والمساءلة والمحاسبة ودورها في اجتثاث جذور الفساد جاءت أوامر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان حفظه الله والتي صدرت الأسبوع الماضي، وكان من ضمنها إعفاء لأحد المسئولين الكبار وتشكيل لجنة للتحقيق في التجاوزات التي ارتكبها.. رسالة من خادم الحرمين الشريفين رعاه الله بأن المساءلة والمحاسبة ستطال كل من يسيء استخدام منصبه أو وظيفته، أياً كانت، لتحقيق أغراضه الشخصية أو مصلحته الخاصة.