د. زايد الحارثي
لقد أصبح الجميع في المملكة مؤسسات تعليمية أو وزارات أو شركات أو هيئات أو جامعات مطالبون في ظل الإستراتيجية الجديدة والرؤية للمستقبل القريب والبعيد للانتقال بالبلد إلى الاعتماد على الطاقات البديلة بدلاً من الاعتماد الكلي إلى البترول الثروة الناضبة إلى الاعتماد على طاقات العقول والتنمية البشرية أولاً ثم المصادر الأخرى الكامنة في المملكة المتمثلة في الطاقة الشمسية والزراعية والبحرية والاقتصادية والسياحية ومشتقات البترول فضلاً عن سياسات الإنفاق وسياسات الاستهلاك كلها وغيرها مما يصب في التحول إلى تعزيز المكانة والمقدرة للبلد في كافة المجالات بدلاً من الاعتماد على مصدر واحد وأنا أزعم في مقالي هذا إلى أن حجر الأساس في التحوّل القادم لبلدنا اقتصادياً ومعرفياً وصناعياً إلى الجامعات فهي حجر الزاوية في هذا المجال ولكن أرى في البدء قبل تقديم مقترح الكيفية لدور الجامعات إلى إعطاء نبذة تاريخية عن التعليم العالي في بلدنا لكي نصل إلى اقتراح الكيفية والرؤية لهذا الطرح.
لقد مر التعليم العالي في بلادنا بعدد من المراحل فمن مرحلة الشح وعدم وجود جامعات أو مؤسسات التعليم العالي قبل ما يقارب 80 عاماً، حيث كان الاكتفاء بالاعتماد على الآخرين في التعليم والمهن المختلفة والاكتفاء بالمرحلة الابتدائية أو المتوسطة في إعداد المعلمين.
ومرحلة بدايات التعليم العالي مع قلة المعاهد ومؤسسات التعليم العالي وذلك قبل حوالي 60 عاماً، حيث كانت بدايات محصورة على البعثات في البلاد القريبة والمجاورة وعلى وجه الخصوص مصر، مع بداية تأسيس وإنشاء كلية الشريعة بمكة المكرمة نواة التعليم العالي في المملكة العربية السعودية في عام 1968م.
وجاءت المرحلة المهمة والنوعية التي دفعت بالابتعاث إلى الدول المتقدمة لتكون الفريدة والمتميزة في برامجها وأهدافها وشملت تخصصات المختلفة من الطب والهندسة والإدارة إلى العلوم المختلفة وعدها المهتمون بالتعليم العالي بالبرامج القوية في الابتعاث في العصر الحديث.
وافتتاح الكليات في أنحاء مختلفة وبالذات في الرياض، جامعة الرياض وكلية الشريعة واللغة العربية وكذلك الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة وهكذا وقد تم ذلك في الخمسينات الميلادية من القرن الماضي والسبعينات الهجرية وتلتها مرحلة تأسيس وزارة التعليم العالي وهي المرحلة التي تأسس فيها التعليم العالي بمنظومتها الواسعة والتي تلتها إنشاء وافتتاح عدد من الجامعات حتى وصلت إلى سبع جامعات قبل 15 عاماً تقريباً في 1420 هجرية.
وجاءت مرحلة القفزة النوعية في التعليم العالي وشهدت المملكة نقلة مختلفة في افتتاح الجامعات المختلفة والتي بلغ عددها حتى 2017 إلى حوالي أربعين جامعة ما بين حكومية وخاصة وفضلاً عن ذلك الأعداد المتزايدة في برامج الابتعاث التي تطورت بشكل يواكب متطلبات العصر الحديث فأصبحت إعداد البعثات بمئات الألوف في معظم الدول المتقدمة وزادت عدد المنح التي تقدمها الدولة للطلاب في الكليات والجامعات الخاصة بالألوف وهم أولئك الذين لم يتمكنوا من الالتحاق بالجامعات الحكومية أو الخاصة في المراحل الأولى بالرغم من توفر معايير وشروط القبول لدى هؤلاء الطلاب وتزامن مع هذه القفزات الكمية النوعية في آن واحد تضاعف الميزانية والدعم المالي للجامعات ومؤسسات التعليم العالي سواء في شكل مكافآت أو مشروعات بنى تحتية أو أبحاث أو كراسي علمية أو خلافها إلى آلاف الملايين من الريالات.
وهنا لا بد لنا من وقفة ضرورية أصوغها في شكل سؤال أوعدة أسئلة: هل عدد الجامعات والكليات الحكومية والخاصة كافٍ؟.. وهل قامت الجامعات والكليات الحكومية والخاصة بدورها الذي من أجله تم إنشاؤها؟ وما هو الدور المجلوب منها في الحاضر والمستقبل لتواكب التحول والرؤية المستقبلية؟.
لا شك أنه بالنظر إلى خطط التنمية للبلد في الخمسين السنة الماضية يمكن للمتابع التعرف على ما تم بذله على الجامعات والطلاب والبحوث والمدن الجامعية والبعثات والمنظومة التعليمية بكامل بنيانها ومؤسساتها لم تحقق الأهداف المرجوة، بل استطيع بحكم أنني شاهد على العصر ولنا خبرة تتجاوز الثلاثين عاماً في التعليم الجامعي أستاذاً وإدارياً وباحثاً، بل ومتابعاً من خارج هذه المنظومة بالعمل ملحقاً ثقافياً أن أدعي أنه نعم قد خرجت الجامعات الألوف، بل ومئات الألوف من الجامعيين من معلمين ومهندسين وأطباء ولغويين وشرعيين وقضاة وغيرهم إلا أنه لم نجد على أرض الواقع ما يتوازن مع طموحات والأهداف المرجوة من افتتاح الجامعات ومدخولاتها فلا تزال الجامعات أولاً تعج بمئات الأكاديميين والفنيين الأجانب الذي قد لا يوجد حاجة ضرورية لأكثرهم ثم إن مخرجات هذه الجامعات من الأبحاث والابتكارات والاختراعات والإسهامات التنموية محدودة جداً، بل وأستطيع القول زيادة على ذلك أن الجامعات الآن أصبحت منسوخات وصورة مكررة من بعضها في كثير من جوانب المدخلات والمخرجات فأصبح الأولوية الأكثر إلحاحاً للجامعات قبل بدء العام وفي منتصفه ونهايته هو هم القبول ثم التحويل ثم التسجيل ثم التخرج وهكذا لكننا لا نشهد الكثير من نشاطات العام الدراسي نوعية الندوات والمؤتمرات والجوائز والاختراعات والمبادرات والشراكات مع القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني، بل ولا نرى الإبداع الإداري، بل نرى تكريس التدرب على الإدارة وإهمال الخبرة والكفاءة ونرى نزعات الملكية الخاصة وتغليبها في أنماط الإدارة العليا للجامعات على المصلحة العامة والنظرة الواسعة ونرى أنماط إعادة اختراع العجلة بدلاً من البناء على الخبرات والبحث عن مخترعات جديدة ونرى السعي الحثيث والإهدار الكبير الكثيرين للمال والجهد بعيداً عن الجودة والاعتراف في وهم الاعتماد حتى لاحظنا كليات تحصل على اعتماد من جهات أصلاً غير معتمدة وكأن الاعتماد أصبح هدفاً في ذاته!!.
وهذه الأنماط من الإدارة والسياسية الإدارية الجامعية أبعدت الجامعات عن رسالتها وأثرت على مخرجاتها وأصبحنا ندور في حلقة مفرغة في غياب التقويم الشامل لجودة الأداء للجامعات وتحقيق غاياتها ورسالتها.