د. محمد بن إبراهيم الملحم
تخيلوا معي طالباً متفوقاً في جميع المواد ويرسب في الدين فقط، واعيباه، أو يرسب في اللغة العربية فقط، فأنى له يفهم ما يشرح إذا تقدمت اللغة في الصفوف القادمة، أو يرسب في الرياضيات فقط أو العلوم فقط وهاتين لا نقاش فيهما فهما أدوات الحياة اليوم، لكن طالب متفوق يرسب في مادة التربية البدنية أو الفنية وينبغي أن يعيد السنة الدراسية لهذا السبب! فأي منطق هنا؟ أصحاب الرأي المتعصب لهاتين المادتين يرون أن صحة البدن وعافيته وعناية الإِنسان بلياقته من واجبات العملية التربوية، كما أن تذوق الإِنسان للجمال وامتلاكه لأساسياته وتقديره للفن لا ينمو ما لم يكن يتعرف على مهاراته وأفكاره الأساسية ويمارس بنفسه تجربة تكوين هذا الشيء الفني، وأنا أقول لهم لقد تأملت في مناهج النشاط اللاصفي المختلفة فلم أجد أجمل من الكشفية والمسرح في بناء شخصية الإِنسان واعتماده على نفسه ليتمكن من فهم الحياة والآخرين والنجاح في التعامل معهم، فلماذا لا تكون هاتان المادتان مقررتين كالتربية البدنية والفنية؟ وهذا السؤال نطرحه قبل أن نتحدث عن نجاح ورسوب.
أيها السادة الأفاضل: هاتان المادتان عبء على الخطة التعليمية في نظامنا التعليمي، وبالتالي فهما عبء أيضاً على مواردنا وميزانيتنا، لا أقول سرحوا معلمي ومعلمات هاتين المادتين وليذهبوا إلى بيوتهم بل إني أؤمن بالأهمية العظمى لتدريسهما في سن معينة ولكن تتوقف بعد ذلك، فلا نقاش بأهميتهما في الصفوف الأولية بالمرحلة الابتدائية حيث في هذه السن تبنى أساسيات التفوق في هذين المجالين (الحركي والفني)، بل وتظهر الاستعدادات المبكرة للنبوغ فيهما في هذه السن أيضاً، وهو ما يمثل (لما أراه) النافذة التي يطل منها النشاط اللاصفي على هؤلاء الطلاب ليأخذهم ويرتقي بهم عبر أنشطته ومجالاته المختلفة في السنوات القادمة، حيث أصبحوا أكبر سنا وقابلين للعمل في فرق النشاط خارج غرفة الصف وأنظمته، حيث يستجيبون للنظام والاعتماد على النفس أكثر، وكل ذلك أراه مع ضرورة ألا تكون المادتان مادتي نجاح ورسوب لأن المهارات المرتبطة بهما تتضاءل أحيانا عند بعض الأفراد لدرجة منخفضة جدا لا يمكن معها مطالبتهم بالنجاح في هذه المهارات، مع أنهم في الواقع ناجحون في كل شيء آخر.
أما استمرار تدريس هاتين المادتين في الصفوف التالية فهو غير صائب، حيث بداية من الصف الرابع تظهر مواد وموضوعات جديدة على الطالب ومع تقدمه في السنوات التالية يتزايد ظهور هذه الموضوعات، مما يستلزم معه ألا يثقل بمثل هذه المواد وبدلا عنها يعطى مزيدا من المساحة للتعلم من خلال مزيد من الحصص المخصصة لتلك الموضوعات، وهو ما يشجع المعلم على اتباع أساليب التدريس غير التقليدية لحاجتها إلى زمن حصة طويل أو عدد أكبر من الحصص، ودائما يشكو المعلمون من نقص الزمن خاصة في مواد التأسيس كاللغة والرياضيات والعلوم.
لقد آلمني جدا قرار وزارة التعليم بشأن إعادة هاتين المادتين كمادتي نجاح ورسوب، لما حمله من رسائل سلبية متعددة أبرزها عدم التعلم من التجربة السابقة، حيث قديما كانت هذه المواد نجاح ورسوب وثبت خلال تلك الفترة أن المعلمين ينجِّحون الطلاب دون استثناء وكان الرسوب حالات شاذة جدا، ثم جعلت دون نجاح ورسوب، وهو الصحيح لمطابقته للتوجه التربوي الحديث (انظر فنلندا)، ثم نعود للوراء بجعلها مواد نجاح ورسوب! كما أن الرسالة الثانية أن الوزارة بدلا من سبق الأمم الأخرى باتخاذ قرار جريء خارج الصندوق بإلغاء هاتين المادتين في الصفوف المتقدمة، فإنها تؤكد بقاءهما بقرار النجاح والرسوب!
سأوضح أبعادا أخرى لهذا الموضوع مع بعض أدبياته في الأسبوع القادم بإذن الله.