د. أحمد الفراج
تكاد تتركّز مشكلة ترمب الرئيسية في استقطابه لرجل السياسة والإعلام والمال، اليميني ستيف بانون، والذي عينه ترمب كبيراً للإستراتيجيين في البيت الأبيض، ومنذ ذلك الوقت، أصبح بانون كابوساً مزعجاً لترمب، استغله الإعلام الأمريكي كأيقونة للهجوم على الرئيس الجديد، فسيرة بانون تدل بكل وضوح على أنه يميني متطرف، بل عنصري صريح، ووجوده مع الرئيس، في منصب غاية في الأهمية، كان حلماً ينتظره خصوم ترمب، ولا تكاد تسمع أو تقرأ لخصوم ترمب، إلا ويكون اسم ستيف بانون حاضراً، وأكاد أجزم بأن أفكار ترمب الحادة، التي أطلقها خلال حملته الانتخابية، مثل تصريحه بمنع دخول المسلمين إلى أمريكا، كانت من بنات أفكار المستشار بانون.
ستيف بانون أمريكي من أصل إيرلندي، ولد في ولاية فرجينيا، وهي الولاية التي كانت الوجهة الأولى للمهاجرين الأوروبيين، الهاربين من جحيم عصور أوروبا المظلمة، ومنها انطلق الآباء المؤسسون، جورج واشنطن ورفاقه، ليؤسسوا ما ستصبح أقوى الإمبراطوريات، أي الولايات المتحدة، وفي ولاية فرجينيا، كانت البواخر تجلب الرقيق من إفريقيا للعالم الجديد، حيث المزارع الضخمة، التي يملكها الأثرياء البيض، ويعمل فيها الرقيق، وقد نشأ ستيف بانون تحت رعاية والده، الذي أدخله مدرسة كاثوليكية خاصة، ولم يكن والده ثريا، بل عاملاً بسيطاً، أصبح مديراً في إحدى شركات الاتصالات فيما بعد، ورغم ذلك استطاع الابن ستيف أن يواصل تعليمه الجامعي، ويحصل على درجة الماجستير، ويشق طريقه إلى عالم المال والأعمال، من خلال عمله في مصرف قولدمان ساكس، ومن خلال الإنتاج التلفزيوني في هوليود، كما اشتهر من خلال تقديمه لبرنامج إذاعي، ثم كانت ضربته الكبرى بتأسيس موقع إلكتروني يميني متطرف، نثر من خلاله أفكاره، التي تمثّل أقصى اليمين، ثم أصبح الموقع أيقونة لجمهور المحافظين الجمهوريين، الذين صوّتوا لترمب.
ترمب هو الرئيس لكل الأمريكيين، ويبدو أنه بدأ يدرك التأثير السلبي لوجود المستشار اليميني ستيف بانون إلى جانبه، فقد أطلق ترمب مؤخراً بعض التصريحات، التي توحي بانحسار علاقة الرجلين، ويدعم هذا الزعم أن المستشار الأقرب لترمب وزوج ابنته، جاريد كوشنر، ليس على وفاق مع ستيف بانون، وقد أصبح ذلك واضحاً للعيان، وعلاوة على ذلك فإن سياسة ترمب الخارجية عموماً، وضربته العسكرية للنظام السوري، لا تروق لكبير الإستراتيجيين بانون، فالسيد بانون، المتعصب لأيدولوجيته اليمينية، والقومي العتيد، المعارض للعولمة، يرى بأنه لا يجب على أمريكا أن تتدخل في شؤون العالم، وأن تركز كل جهودها لخدمة الداخل الأمريكي، وهنا يتبيّن التعارض الحاد، بين سياسة ترمب الخارجية، وبين مواقف بانون المحافظة، فهل يا ترى نشهد، عطفاً على هذه المعطيات، مغادرة ستيف بانون للبيت الأبيض، أم يبقيه ترمب، القائد العنيد، نكاية بخصومه، وأظننا سنعرف ذلك قريباً جداً!