رمضان جريدي العنزي
نحن مجتمع نستهلك أكثر مما ننتج، استهلاكنا يفوق إنتاجنا، سلوكنا الاقتصادي واهن، وثقافتنا الاستهلاكية شرهة، وهدرنا المالي كبير، يزرع لنا الآخر ونحن نأكل، يصنع لنا ونحن نستعمل، يفكر لنا ونحن نطبق، ينظر لنا ونحن نمارس، يخطط ونحن نتماهى مع هذا التخطيط، أموالنا تذهب هدرًا على الأطعمة والكماليات والملابس والأجهزة والهياط والنفاق الاجتماعي، ثقافة العمل لدينا راكدة، وألا نعطي العمل مكانته التي يستحقها كما يعطيها الغير والآخر، أسواقنا مفتوحة بما هب ودب من السلع، اختلط فيها الأصلي مع التقليد، والرديء والمقلد والمغشوش، المجتمعات الأخرى منتجة ناشطة وفعالة، فهم يأكلون مما يزرعون، ويركبون ويلبسون مما يصنعون، فلسفتهم الاقتصادية واعية، ونظرتهم للغد بليغة، المجتمعات الأخرى عملية تحترم الوقت وتقدر الوعد، تنام باكراً، وتصحو باكرًا، لتعمل في اليوم التالي بجد، ونحن مترفون جدًا، ومسرفون جدًا، وغير منتجين بالمعنى الحقيقي، ننام النهار كله، ونسهر الليل كله، نعيش على مواردنا النابضة، ونبددها بشراهة، فلا نكسب غير الرخاوة والترف والضعف والوهن والعواقب الوخيمة في المستقبل اجتماعيًا واقتصاديًا، نسرف في الطاقة والمياه والخبز بلا حد، وحتى الصيد عندنا جائر، ولا نعرف كيف نتعامل مع البيئة أو نحترمها، وثقافة الأولويات عندنا ضعيفة، كلامنا كبير، وفعلنا قليل، وتطبيقنا بما ننظر به عدم، العالم اليوم يعيش في ظروف صعبة، ومتغيرات جليلة، وأحداث متتالية في كل أموره ومواقفه وحالاته السياسية والاقتصادية، ونحن ما زلنا في غفوتنا الاستهلاكية الكبيرة، وإسرافنا غير المبرر، وهوسنا الاستهلاكي المخيف، وهياطنا العالي، إننا بحاجة ماسة إلى تغيير ثقافتنا الاستهلاكية وفق وعي تام، وتهيأت أنفسنا وأهلنا لسياسة الترشيد والترشيح والتقنين، وربط الأحزمة، إن سياسة الاستهلاك المفرط التي مارسناها طويلاً استنفدت طاقاتنا وجهودنا وأموالنا ورغباتنا وصحتنا دون مقابل وبلا قيمة نفعية، علينا أن نعيد للفكر وعيه، وللعقل حكمته، وللتدبير وقعه، لتصبح ثقافتنا الاستهلاكية قيمًا أخلاقية، وممارسات متوازنة، ونهجًا مؤطرًا، وأسلوب حياة، يعزز فينا فرص الوعي الاقتصادي، والوعي الاستهلاكي، وأن ننظر لمعيشتنا اليومية في إطار التوازن والاحتياج المقنن، بكل عفوية وبساطة وسلاسة، بعيدًا عن التكلف والإرهاق وإثقال الكاهن، وإرضاء الغير على حساب أنفسنا ومقدراتنا، علينا ضط ممارساتنا السابقة المنفلتة، وعقلها بعقال التدبر، وتوجيهها بما يتكيف مع ظروفنا وأحوالنا ومحيطنا، وبما يحقق لنا السكون النفسي والفكري والرضا الروحي، فالاعتدال الاستهلاكي الآن مطلب ضروري وملح، علينا أن نبحث عن بدائل إضافية متجددة في الاستثمار العائلي والأسري، وتعزيز قيم التوفير والادخار، وترسيخ السلوك الإيجابي لدى الأجيال نحو تبني سياسات الاعتدال في الاستهلاك والاقتناء والشراء، والتفكير في الاستثمارات الهادفة، وتعزيز قيم المحافظة على المال، وإنشاء صناديق أسرية لاستخدامها وقت الأزمات وحسب المعطيات والظروف، عندها تصبح ثقافتنا الاستهلاكية قائمة على إدراكنا بقيمة المال الذي بين أيدينا، وإحساسنا بأهميته للمحافظة على صحتنا الجسدية والنفسية والفكرية، علينا أن نضبط استهلاكنا وفق ضوابط وأسس جديدة تراعي كل المتغيرات الحاصلة على حياتنا العامة والخاصة، ولكي ننجح بامتياز، علينا أن نروض ونخضع أنفسنا مع واقعنا الجديد، بلا مكابرة ولا حماقة ولا ترفع ولا تبرير.