د. فوزية البكر
في آخر تقرير لتحليل نتائج اختبارات بيزا (وهذه الكلمة هي اختصار لما يعرف بالبرنامج الدولي لتقييم الطلبة في ثلاثة مجالات أساسية هي القراءة والرياضيات والعلوم مع فهم طرق حل المشكلات في هذه المواد دون التركيز على محتوى المقررات بل على المعرفة والمهارات الأساسية التي ستزودها هذه المواد للطلبة والطالبات ممن هم 15 سنة فأكثر وسينهون تعليمهم الأساسي ودور هذه المهارات في مواجهة التحديات المستقبلية التي سيواجهونها).
وقد شارك في الدراسة المذكورة أكثر من 72 بلداً عبر العالم بدراسة استقصائية شملت 540 ألف تلميذ تمت عام 2015 وأنهت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية المسؤولة عن هذه الاختبارات تحليل نتائجها التي أظهرت أن الطلبة في سن المراهقة الذين يشعرون بأنهم جزء من مجتمع مدرسي ويتمتعون بعلاقات جيدة مع والديهم ومعلميهم هم أفضل أداء أكاديميًا كما أنهم أكثر شعورًا بالسعادة في حياتهم.
لعل من أهم النتائج التي توصل إليها التقرير هو أهمية الدعم النفسي والمعنوي الذي يقدمه المعلمون لطلابهم وليس فقط تدريس الطلاب داخل الفصول بحيث اقترح التقرير أن لا يتم احتساب نصاب المعلم بعدد الساعات التي يدرسها بل يجب أن يشمل التقييم أيضًا مقدار الدعم المعنوي والنفسي الذي يقدمه لطلابه والذي ثبت أن له نتائج إيجابية في تحسن أداء الطلاب أكاديميا كما أن له دوراً كبيراً في إشعارهم بالسعادة.
هذه النتائج تؤكد أن مفهوم جودة الحياة وسعادة الخبرة المدرسية للطلاب أصبحت جزءاً لا يتجزأ من واجبات المدرسة تجاه طلابها في عصرنا الحاضر بما يحتم إيجاد استراتيجيات جديدة يتم من خلالها تدريب المعلمين على مساعدة طلابهم ليكونوا أكثر ولاء للمدرسة وأكثر سعادة فيها وذلك مثلاً من خلال تعلم أساليب التواصل عبر الثقافات والطبقات إذ إن المعلمين في الغالب من المنتمين للطبقة المتوسطة وهم يميلون في العادة لفرض أنماط سلوكهم وقيمهم ولغتهم على الطلاب فإذا نجحنا في تفكيك عقل المعلم لتقبل الطلاب والتفاعل معهم أين ما كانوا وتمكن المعلم من تحديد الطلبة القلقين وأسباب قلقهم (المدرسية على الأقل: خوف من امتحان مثلا بأخذ عينة من نتائج الطلبة وتحليلها معهم لتحقيق فهم أفضل لمتطلبات الامتحانات وإعطاء تغذية راجعة للطلاب وتدريبهم على تعلم كيفية ضع الأهداف الذاتية لإيجاد مبررات ذات مغزى للأنشطة العلمية التي يتعلمونها.
كذلك شجع التقرير على ضرورة الاعتراف بمشاعر الطلبة والابتعاد عن محاولة السيطرة عليهم وخاصة من قبل المعلمين إذ وجد التقرير أن من أكثر المهددات للانتماء للمدرسة والشعور بالسعادة فيها هو تصورات الطلبة السلبية عن العلاقة مع معلميهم.
أظهر التقرير أيضا أهمية تواجد الوالدين في مفاصل حياة أبنائهم ليس فقط بالصرف عليهم بل بالتواجد اليومي معهم حيث يؤكد التقرير على أنه (يمكن للوالدين أن يحدثا فرقا كبيرًا في حياة أبنائهم حيث إن أبناء الآباء الذين عبروا عن قيامهم بأنشطة مع أبنائهم مثل: «قضاء بعض الوقت في التحدث مع طفلي» أو «تناول الوجبة الرئيسية مع طفلي حول طاولة» أو «مناقشة مدى جودة أداء طفلي في المدرسة» أبلغوا عن مستويات عالية من الارتياح في الحياة فاقت بنسبة من 22 % إلى 40 % غيرهم كما أثر ذلك على تقدم ملحوظ في أدائهم الأكاديمي خاصة في مجال تعلم العلوم بحيث تفوقوا بمعارفهم في مجال العلوم بما يعادل ثلثي ما يدرسه غيرهم في السنة الدراسية المقبلة!
لذا يمكن للمدارس أن تساعد الآباء على المشاركة بشكل أكبر في تعليم أبنائهم من خلال إزالة أي عوائق تحول دون مشاركتهم في النشاطات المدرسية كما يمكن توفير قنوات اتصال مرنة للوالدين غير المتفرغين واقتراح الطرق التي يمكن لهم فيها أن يشاركوا في حياة أبنائهم المدرسية. ولتحسين رفاه الطلبة، ينبغي للمدارس أيضا أن تعلم الطلاب فوائد أسلوب حياة نشط وصحي من خلال التربية البدنية والصحية حيث إن من شأن هذا أن يقلل من عدد الطلاب غير النشيطين فعليًا خارج المدرسة بما يجعل الطلبة أكثر سعادة وانسجاما مع (الصور الذهنية لأجسادهم) وخاصة بين الطالبات.
مدرسة اليوم لا تدرس القراءة والكتابة وتمنح الشهادة للانتقال من مرحلة إلى أخرى. مدرسة اليوم مسؤولة عن نشأة طالب متوازن سعيد مرتاح مع نفسه أي كان ومتفاعل مع البيئة المحيطة من خلال معلم متفهم وغير سلطوي ومن خلال والدين مشاركين في تفاصيل الحياة اليومية لأبنائهم ومن خلال تعزيز فكرة مسؤولية الطالب نفسه عن تعليمه ودرجة تقدمه في هذا التعليم عبر تحديد أهداف خاصة به ذات مغزى ذاتي واجتماعي يحقق السعادة للطلاب والأمن والسلام للمجتمع.
لا أعرف إذا كانت هذه الأفكار الخلاقة جزءاً من مناخات وزارة التعليم في بلادنا لكن هذا لن يمنعنا من قراءة التجارب والتعلم منها.