حمد بن عبدالله القاضي
رسالة إلى كلِّ باذل في الخير.. وإلى كلِّ ثري لا يقدر على فعل الخير.
***
أُشفق على بعض الأثرياء مثلما أشفق على الفقراء.
أما الشفقة على الفقراء فشأنها معروف.
لكن كيف تكون الشفقة على الأغنياء؟!
إنها تأتي بسبب حرمانهم أنفسهم، ليس بإنفاقهم عليها وعلى أُسرهم أو سخاء العزائم وإقامة الولائم أو السياحة بالأرض.
بل بسبب حرمان ذواتهم من فعل الخير، وإعانة المحتاجين والإنفاق من بعض ما أتاهم ربهم.
لقد روى لي رجل فاضل أنه مع مجموعة من أصدقائه يتعاونون على فعل الخير ويحفِّزون بعضهم ويقتدي الواحد بالآخر ما عدا صديق لهم ربما أكثرهم ثراءً لكنه .. لا يساهم معهم وكان يقول لهم بحسرة: إنني أعجز عن أن أفعل ذلك.
أنا لم أستغرب أن يكون عنده هذا الحرمان، فهذا «الحرمان» استعاذ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهو ابتلاء، فهو حرمان من متعة العطاء التي تضاهي متعة الأخذ
ترى أينه من الجواد «هرم بن سنان» كان من فرحه عندما يعطي فكأنه يعطيه الذي هو سائله - كما وصفه الشاعر الحكيم زهير بن سلمى.
لقد عشت مواقف مع هؤلاء الأثرياء المحرومين عندما أتواصل مع مجموعة من أهل الخير، فأكتب لهم أو أهاتفهم عن حالات أو مشروعات أعرفها وتوفرت لدي القناعة فيها، وأنني في الوقت الذي أجد ولله الحمد كثيراً منهم يبادرون بالتجاوب والصدقة ويسابقون في فعل الخيرات، زادهم الله من فضله وجعل ما ينفقون قربات لهم عند ربهم، يوم لا تملك نفسٌ لنفس شيئاً والأمر يومئذ لله، أجد قلة من هؤلاء.
في ذات الوقت أجد الأثرياء القادرين يعرضون عن ذلك، فلا يقدمون درهماً ولا ديناراً وهم من الذين وسع الله عليهم، لإعانة محتاج أو فك عسر بائس أو الإسهام في مشروع خير نافع، ليحرموا أنفسهم سعادة «البذل» بإسعاد الآخرين، والذي يجدون أثره الجميل عليهم وعلى أُسرهم، فضلاً عن ذلك عن حرمانهم أنفسهم من الأجر ليكون لهم البذل نوراً أمامهم لا خلفهم عندما يغادرون هذه الدنيا.
ترى ألا يدركون أنّ هذه الأرقام من عشرات الملايين أو من البلايين، إنما تظل أرقاماً بالبنوك: حظهم منها معرفة عددها لأنهم لو عاشوا 100 عام، فإنّ 10% مما يملكون ستجعلهم يعيشون أهنأ عيش مادي: سكناً وطعاماً ومركباً وسياحة ... الخ.
***
آخر الجداول:
{وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}