كيف ضخت متحصلات سندات إصدار الـ 17.5 مليار دولار السيولة في شرايين القطاع المصرفي السعودي؟
«ستتذاكر أجيال لم تُولد بعد إصدار المملكة القياسي (17.5 مليار دولار)». هذا ما افتتح به كاتب العامود برويترز (جيمس سافت) زاويته بعدما أغلقت السعودية إصدارها بنجاح، حيث أنهت وزارة المالية السعودية، في أكتوبر الماضي، تسعير وتخصيص الطرح الأول للسندات الدولية المقومة بالدولار الأمريكي وذلك ضمن البرنامج الدولي لإصدار أدوات الدين العام الذي تم إنشاؤه حديثاً.
وبلغ المجموع الإجمالي للطرح الأول، وفقا لوكالة الأنباء السعودية «واس» نحو 17.5 مليار دولار أمريكي (65.6 مليار ريال سعودي)، وبلغ المجموع الكلي لطلبات الاكتتاب في هذه السندات 67 مليار دولار (251.3 مليار ريال). وقال مصدر مطلع إن دفتر أوامر الشراء يقترب من الرقم القياسي البالغ 69 مليار دولار لإصدار سندات بالأسواق الناشئة والذي سجلته الأرجنتين في أبريل نيسان من 2016 . ويرجع الحجم الهائل للطلب على السندات السعودية جزئيا إلى انخفاض أسعار الفائدة عالميا وإحباط صناديق الاستثمار الناجم عن نقص الأصول ذات العائد المرتفع في جميع أنحاء العالم.
يوم التنفيذ واستقبال الطلبات
في الثامن عشر من أكتوبر 2016، أصدرت المملكة أسعارها الاسترشادية الأولى (5 سنوات) 160 نقطة أساس و(10 سنوات) 185 نقطة أساس (و30 سنة) 235 نقطة أساس فوق سندات الخزانة. يقول جين - مارك: «طالب مديرو الصناديق الأمريكيون برفع علاوة الإصدار أكثر ولكنهم في نفس الوقت غير متعودين على السجل الائتماني للقادم الجديد.. وعليه قاموا باتباع ما رآه المستثمرون الآخرون»، وكانت الأسعار الأولية تتماشى مع توقعات المستثمرين التي تقول إن علاوة الإصدار هي ما بين 45 إلى 50 نقطة أساس فوق شرائح السندات القطرية (ذات التصنيف المتقدم). وفي الوقت الذي تم فيه بناء الأوامر (بدخول طلبات تصل إلى 10 مليارات دولار بذلك اليوم)، حدث اهتزاز بأسعار سندات الخزانة الأمريكية ذات أجل عشر سنوات!.
فبحسب صحيفة الوول ستريت، قام المستثمرون ببيع سندات الخزانة بذلك اليوم من أجل توفير سيولة تمكنهم من المشاركة في أضخم إصدار تاريخي قادم من الأسواق الناشئة. فالهامش التسعيري (yield) ارتفع (ليصل إلى 1.780 % مقارنة مع 1.766 % في اليوم الذي سبقه) مع هبوط أسعار تلك السندات.
التسعير النهائي وإغلاق الإصدار
بعدما رأى مكتب إدارة الدَّين حجم الطلبات التاريخي، تم تضييق الهوامش التسعيرية صباح يوم الأربعاء، لتصبح علاوة الإصدار التي فوق شرائح السندات القطرية كما يلي:
(5 سنوات) 30 نقطة أساس (و10 سنوات) 35 نقطة أساس (و30 سنة) 40 نقطة أساس. بعد ذلك تباينت ردود فعل المصرفيين ومديري الصناديق حول عدالة التسعير، خلال تلك اللحظة سرت الشائعات حول انسحاب بعض المحافظ التي أوصلت طلبات الأوامر إلى 67 مليار دولار. لم يبالِ فريق الدَّين السعودي بانسحاب ما يصل إلى 4 مليارات دولار (ليتم إغلاق سجل الأوامر بطلبات تصل إلى 63 مليار دولار، وذلك بحسب تصريحات جين - مارك).. مع العلم أنه برأيي الشخصي أنه كان بالإمكان تضييق الأسعار الاسترشادية أكثر بقليل من المستويات الحالية، ولكن قد تكون الظروف الحالية في ذلك الوقت لم تشجع على اتخاذ مثل هذا القرار.
طمأنة المستثمرين
وتأتي أول سندات دولية السعودية ضمن خطتها لتقليل اعتماد الاقتصاد على الاعتماد على النفط والتي تم الإعلان عنها لأول مرة في نوفمبر 2015، وذلك بعد انخفاض أسعار النفط إلى 50 دولارا للبرميل، من 115 دولارا للبرميل في العام 2014. وتثبت السندات التي تم بيعها المقرر نجاح المملكة في قدرتها على تحقيق استقرار في ماليتها العامة وخفض الاعتماد على النفط. وفي الأيام التي سبقت البيع عقد مسؤولون سعوديون كبار سلسلة اجتماعات مع كبار المستثمرين في لندن والولايات المتحدة. ويممت المملكة وجهها شطر الأسواق العالمية لتمويل جزء من عجز الموازنة هذا العام وتخفيف الضغط على احتياطي النقد الأجنبي الذي كانت تقوم بالسحب منه لسداد التزاماتها. ومن المتوقع أن يضع إصدار السندات السعودي سعرا مرجعيا للمملكة ويمهد الطريق أمام المزيد من الإصدارات الدولية من قبل الحكومة في السنوات القادمة إلى جانب مبيعات السندات من قبل مجموعة من الشركات السعودية الكبرى. وقال محي الدين قرنفل رئيس الاستثمار في أدوات الدخل الثابت بمنطقة الشرق الأوسط لدى فرانكلين تمبلتون انفستمنتس لإدارة الأصول إن إصدار أدوات الدين سينشط السوق المالية السعودية.
احتقان السيولة
من دون شك أن متحصلات إصدار الـ65.6 مليار ريال (17.5 مليار دولار) التي اجتذبتها وزارة المالية من الخارج قد أصبحت بمثابة «نقطة التحول» المفصلية نحو تخفيف احتقان السيولة بالقطاع المصرفي. فهذا التناغم في أداء المسؤولية بين وزارة المالية والبنك المركزي «ساما» بدأنا نحصد ثمراته. فلأول مرة بعد إغلاق الإصدار بدأت تكاليف الإقراض بالانخفاض، حيث وصل السايبور، وهو سعر الفائدة المعروض بين البنوك السعودية لثلاثة أشهر، إلى 2.382 في أكتوبر من السنة الماضية. وكما تشاهدون من الرسم البياني المرفق فلقد بدئت أسعار السايبور لثلاثة أشهر في الانخفاض حتى وصلت إلى 1.73 %.