الجزيرة: علي سالم - محمد بن شاهين:
شهدت زيارة ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان اهمية بالغه حيث تأتي وسط عدد من التحديات التي تواجه منطقة الشرق الأوسط من ناحية الأمن والاستقرار، في وقت تضع فيه الرياض نصب عينيها النهوض بمستوى الاقتصاد السعودي، بعيدا عن مدخولات النفط، والاعتماد على بدائله والشراكات الاستثمارية الذكية.
وتكمن أهمية زيارة ولي ولي العهد إلى واشنطن وعدد من الولايات الأمريكية الأخرى في أنها أتت وسط رغبة الرياض بالدفع بكثير من أزمات المنطقة نحو الحلحلة، وفي مقدمتها عملية السلام في الشرق الأوسط والأزمة السورية والوضع اليمني، إضافة إلى فتحها المجال أمام كبار المستثمرين الأمريكيين في التعرف على مشروعها التنموي الضخم والمتمثل برؤية 2030، وأداته التنفيذية الرئيسة المتمثلة بالتحول الوطني 2020.
وزار الأمير محمد بن سلمان العاصمة الأميركية على رأس وفد وزاري اقتصادي وعسكري، وعقد قبل قيامه بهذه الزيارة اجتماعاً مع مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، حيث يشرف هذا المجلس على تنفيذ «برنامج التحول الوطني 2030» الذي يهدف إلى تنويع مصادر الدخل في المملكة وخفض الاعتماد على إيرادات النفط في ظل تراجع أسعاره عالمياً.
وحملت زيارة ولي ولي العهد إلى أمريكا في شقها الاقتصادي مجموعة من المفاجآت، التي تستند إلى طبيعة العلاقات الاستثمارية الذكية، التي تم توقيعها خلال الزيارة مدعومة بـ3 عناصر قوية، وستكون «رؤية 2030» واحدة من أهم المحاور، التي ستطرح على طاولة المستثمرين الأمريكيين لتعريفهم بحجم الفرص الاقتصادية، التي يمكن أن يستفيدوا منها، والتي تعطي تصورا مستقبليا عما ستكون عليه المملكة.
اتفاقيات وعقود
تعد الاتفاقات الموقعة مع الشركات الأميركية العملاقة خير دليل على انتقال رؤية السعودية 2030 من التأطير إلى التنفيذ الفعلي، وانطلاق قطار الرؤية عبر دخول أو شراكات مع كبريات الشركات كل في قطاعها. وركزت رؤية السعودية 2030 على العمل بحسب أحد بنودها الذي جاء فيه «سنعمل على تحقيق ذلك من خلال استثمارات مباشرة وشراكات إستراتيجية مع الشركات الرائدة بهدف نقل المعرفة والتقنية وتوطين الخبرات في مجالات التصنيع والصيانة والبحث والتطوير». مما يعود على المملكة عوائد إضافية غير نفطية تصل قيمتها إلى 100 مليار دولار بحلول العام 2020. وركزت الاتفاقات التي وقعت في وادي السيليكون على توطين التقنية وفتح المجال أمام شركات التجزئة العالمية، إضافة إلى الترفيه، وهو ما يقود لتوفير فرص العمل للمواطنين السعوديين.
البنية التحتية والرقمية
وذكرت «رؤية 2030» ضمن الالتزام بتنمية البنية التحتية الرقمية «سنعمل على تطوير البنية التحتية الخاصة بـالاتصالات وتقنية المعلومات، خاصة تقنيات النطاق العريض عالي السرعة لزيادة نسبة التغطية في المدن وخارجها وتحسين جودة الاتصال، وسيكون ذلك من خلال الشراكة مع القطاع الخاص».
والتقى الأمير محمد بن سلمان في سان فرانسيسكو، الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت ساتيا نديلا، وشهد اللقاء توقيع مذكرة تفاهم تهدف إلى التعاون لتدريب وتأهيل الكفاءات الوطنية، ودعم التحول الرقمي والابتكار القائم على المعرفة. وبحسب رؤية 2030، «كما سنعزز حوكمة التحول الرقمي، وسنهيئ الآلية التنظيمية والدعم المناسب لبناء شراكة فاعلة مع مشغلي الاتصالات بهدف تطوير البنية التحتية التقنية، وسندعم نمو المستثمرين المحليين في قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات».
الرئيس التنفيذي لـ»مايكروسوفت»، قال في تصريح بعد اللقاء، إن من المشاريع التي سيعمل بها مع السعودية «تحويل البيانات إلى ثروة نفطية جديدة تساعد على التنبؤ وتخلق قوة تحليلية كبيرة». وأضاف: «ستأتي مايكروسوفت بالتكنولوجيا لتسهم في ترجمة رؤية السعودية 2030، وكيف يمكن الابتكار في مجال البيانات ورأس المال البشري، ونتطلع أن يتم ذلك في أقرب وقت ممكن».
ووقع مهندس التغيير في الاقتصاد السعودي سمو الأمير محمد بن سلمان مع شركة «سيسكو سيستيمز» مذكرة تفاهم مع الشركة حول تسريع التحول الرقمي في المملكة، بحضور رئيس الشركة، جون تشامبر، في مقرها بسان فرانسيسكو في ولاية كاليفورنيا.
وبحسب رؤية السعودية، جاء تحت عنوان «إطلاق قطاعاتنا الواعدة»، «وفي قطاع تقنية المعلومات، سنعزز من استثماراتنا في الاقتصاد الرقمي لنتبوأ مكانة متقدمة في هذا القطاع».
وتعد شركة سيسكو سيستمز انترناشيونال إحدى أضخم شركات تقنية المعلوماتية في عالم تصنيع وبيع وتشغيل شبكات المعلوماتية ومعداتها، إذ يعمل فيها ما يقارب 70 ألف موظف.
كما اجتمع ولي ولي العهد مع المدير التنفيذي المؤسس لشركة «أوبر»، بعد نحو أسبوعين من استثمار المملكة 3.5 مليارات دولار في «أوبر»، التي تُعنى بخدمات سيارات الأجرة في 500 مدينة، وأكثر من 70 دولة؛ واعتبر أول استثمار كبير للصندوق السعودي في الخارج منذ كشف رؤية عام 2030.
وتطرق اجتماع ولي ولي العهد مع المدير ترافس كلنك، إلى الشراكة الاستراتيجية القائمة، وخطط الشركة في دعم مسيرة تطورها. وسيسهم الاستثمار السعودي في «أوبر» في رفع السيولة بالشركة إلى أكثر من 11 مليار دولار، كما سيسهم في انتشار الخدمة في المملكة خصوصاً.
كما التقى ممثلين عن شركات بوينغ، وريثيون ولوكهيد مارتن؛ لبحث إمكانية توسيع مرافق الإنتاج الحربي داخل المملكة. وبحث أيضاً تسليم ترخيص تجاري لشركة «داو كيميكال»، التي تعد بالفعل واحدة من كبرى الشركات المستثمرة داخل المملكة. ومن المتوقع أن يتم تسليم تراخيص إضافية لتكتل (3M) الموجود في «مينيسوتا»، وشركة الأدوية العملاقة «فايزر» في المستقبل القريب. وبرز خلال الزيارة اجتماع ولي ولي العهد مع رئيس الغرفة التجارية الأمريكية، توماس دونهيو، واستعرض فيه الموضوعات المتعلقة بالمجال التجاري والاستثماري بين البلدين، وبحث مواصلة تنميتها. ومن أبرز ما نتج عن الزيارة إنشاء «كلية الأمير محمد بن سلمان للإدارة وريادة الأعمال»، بتعاون بين مؤسسة «مسك الخيرية»، ومدينة الملك عبد الله الاقتصادية، السعوديتين، مع كلية «بابسون» العالمية، وشركة «لوكهيد مارتن».
شركات الترفيه العالمية
وفيما يتعلق بالترفيه ركزت رؤية 2030، على تعزيز القطاع وتوفير سبل نموه بشكل كبير حيث جاء فيها «سنشجع المستثمرين من الداخل والخارج، ونعقد الشراكات مع شركات الترفيه العالمية، ونخصص الأراضي المناسبة لإقامة المشروعات الثقافية والترفيهية من مكتبات ومتاحف ومسارح وغيرها». وضمن زيارة الأمير محمد بن سلمان لأميركا، التقى مسؤولي شركة «6 فلاغر» الترفيهية الأميركية وتم الاتفاق على السماح للشركة بالعمل في المملكة. وتعد 6 فلاغز أكبر مجموعة منتزهات ترفيهية في العالم، وبلغ عدد زوار مرافقها خلال عام 2014 نحو 25 مليون زائر. وجاء الاتفاق مع 6 فلاغز لتعزيز رؤية 2030 والتي ذكرت «من أهدافنا بحلول (1452هـ ـ 2030م) رفع إنفاق الأسر على الثقافة والترفيه داخل المملكة من 2.9%، إلى 6%.
وستوفر هذه الشركات العملاقة أمرين هامين يعتبران من أهم أهداف الرؤية وهما توظيف الشباب السعودي وتوفير التدريب والتطوير المهني في كبريات الشركات العالمية، وبحسب الرؤية، «نهدف - بحلول عام (1442هـ ـ 2020) - إلى إضافة مليون فرصة عمل للمواطنين في قطاع تجزئة، حديث تشارك فيه مجموعة من العلامات التجارية العصرية المحلية والإقليمية والعالمية. كما نهدف بحلول (1442هـ ـ 2020م)، إلى رفع نسبة التجارة الحديثة في سوق التجزئة إلى 80%، من خلال جذب تجار التجزئة الإقليميين والدوليين، وتخفيف القيود المتعلقة بالملكية والاستثمار الأجنبي»، وهذا بكل تأكيد ما قام به الأمير محمد بن سلمان في أميركا متبعا القول بالفعل. وبلغ حجم التبادل التجاري بين المملكة وأمريكا خلال الربع الأول من 2016 نحو 30.4 مليار ريال، حيث تعد المملكة الشريك التجاري الثاني عشر لأمريكا، في حين تعد أمريكا ثاني أكبر شريك تجاري للمملكة، كما أن أمريكا حائزة أيضاً على أكبر حصة مـن الأسهـم للاستثمـار الأجنبـي المباشر من السعودية.
الزيارة الثانية: لقاء محمد بن سلمان وترامب
أسس ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الأربعاء، شراكة اقتصادية جديدة في عدة قطاعات حيوية، بقيمة استثمارات مشتركة تبلغ 200 مليار دولار.
حيث عقد ولي ولي العهد، اجتماعا مع الرئيس الأمريكي، وأطلعه على رؤية المملكة 2030، وخطة التحول الوطني، الهادفة إلى خفض اعتمادها على النفط كمصدر رئيس للإيرادات المالية. وجرى خلال الاجتماع استعراض أفضل السبل لتعزيز التعاون المشترك والمستمر بين البلدين خاصة في المجالات الاقتصادية والاستثمارية في ظل رؤية المملكة العربية السعودية 2030، وبرامجها الاقتصادية الطموح، بما فيها برنامج التحول الوطني. وتم خلال الاجتماع التأكيد على مواصلة تنسيق الجهود بما يحقق المصالح المشتركة للبلدين والشعبين الصديقين. كما قدم ترمب دعمه للاستثمارات الأميركية في المملكة، وتسهيل التجارة الثنائية، الأمر الذي سيتيح فرصا كبيرة لكلا البلدين. وفي مجال الطاقة، أكد البلدان رغبتهما في مواصلة المشاورات الثنائية بطريقة تُعزِّزُ نمو الاقتصاد العالمي، وتحد من اختلال العرض وانقطاع الامدادات وتقلّب السوق.
تحدي الطاقة والنفط
التحدي الذي سيواجه ترمب في مجال الطاقة والنفط أن الشركات الأميركية تعمل منفردة وباستقلالية وقوانين منع الاحتكار تحول دون مقدرة الحكومة على التدخل في سياسة الإنتاج النفطية.
كما أكد الطرفان السعودي والأميركي أن التعاون الاقتصادي الموسع يمكن أن يخلق ما يصل إلى مليون وظيفة أميركية مباشرة خلال السنوات الأربع المقبلة، وملايين الوظائف الأميركية غير المباشرة، فضلا عن فرص العمل في المملكة. وذكر البيت الأبيض أن ولي ولي العهد أطلع الرئيس ترمب على رؤية 2030 وفرص المشاريع المشتركة. وأعلنت الدولتان عن عزمهما تعزيز تعاونهما في مجال الاقتصاد، والتجارة، والاستثمار والطاقة، وذلك بهدف تحقيق النمو والازدهار في البلدين والاقتصاد العالمي.
وقدم الرئيس ترمب دعمه لتطوير برنامج أميركي - سعودي جديد تتولاه مجموعات عمل أميركية سعودية مشتركة، ولمبادرات هذا البرنامج الفريدة التي تُقدر بأكثر من 200 مليار دولار أميركي من الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة في مجال الطاقة، والصناعة، والبنية التحتية، والتكنولوجيا، على مدى الأربع سنوات القادمة. ونوه بيان صادر من البيت الأبيض إلى وجود فرصة قائمة من خلال البرنامج لاستحداث مليون وظيفة جديدة مباشرة، إضافة إلى ملايين الوظائف غير المباشرة تستفيد منها المملكة على وجه التحديد.