د. محمد بن فهد بن عبدالعزيز الفريح
لا أدري إلى أي قاع سينتهي ببعض شبابنا هداهم الله وأصلح بالهم جرَّاء فعل «مقالبٍ»! وإنتاج مشاهد، والتنافس عليها! وتصويرها ثم نشرها!!
فتجد أحمق يخيف أخاه الصغير بما قد يذهب عقله، ثم تبصر أحمق آخر يُفْزِع صديقه بما يسمّى «الدمية المسكونة»!، وترى ثالثاً يمثل دور المجرم الذي يتبع غلاماً حدثاً؛ ليختبر المجتمع في غيرتهم في دفعه عن ذلك الأحمق الصغير الذي تواطأ معه... في قائمة من الحمقى تطول ثم ينشرون أفعالهم على سمع العالم وبصره! ويشجعهم جهلة يطلبون المزيد من الفعل الشنيع! وأولئك يطلبون منهم إظهار الإعجاب بها!!
يا أصحاب تلك المقاطع أفيقوا ! فإنّ الأمر جِد خطير، فقد أخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: «من أشار إلى أخيه بحديدة فإنّ الملائكة تلعنه حتى وإن كان أخاه لأبيه وأمه».
قال النووي رحمه الله: (فيه تأكيد حرمة المسلم والنهي الشديد عن ترويعه وتخويفه والتعرض له بما قد يؤذيه وقوله صلى الله عليه وسلم: «وإن كان أخاه لأبيه وأمه» مبالغة في إيضاح عموم النهي في كل أحد سواء من يتهم فيه ومن لا يتهم، وسواء كان هذا هزلاً ولعباً أم لا؛ لأنّ ترويع المسلم حرام بكل حال).
وأخرج الإمام أحمد وأبو داود عن بعض الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يسيرون مع النبي صلى الله عليه وسلم، فنام رجل منهم فانطلق بعضهم إلى حبل معه فأخذه ففزع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لمسلم أن يروِّع مسلماً».
الله أكبر ، نعم لا يحل لك أيها المسلم أن تروِّع أخاك، فضلاً أن تجاهر بتلك المعصية التي ارتكبتها من ترويعه، وتنشرها بين الناس.
أخرج الإمام أحمد وأبو داود والترمذي أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يأخذن أحدكم متاع أخيه لاعباً ولا جاداً ومن أخذ عصا أخيه فليردها»، قال أبو عبيد رحمه الله في غريب الحديث: (يعني أن يأخذ شيئاً لا يريد سرقتَه ، إنَّما يريدُ إدخالَ الغيظِ عليه، فهو لاعبٌ في مذهب السرقة، جادٌ في إدخال الأذى والروع عليه).
وقال صاحب فيض القدير: (ترويع المسلم حرام شديد التحريم).
وقال الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: (لا يجوز للمسلم أن يُفْزِع أو يخيف أخاه المسلم، وإن كان مازحاَ كإشارته بالسلاح أو بحديدة أو أخذ متاعه لما فيه من إدخال الأذى والضرر عليه، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده).
وقال الشوكاني رحمه الله: (لا يجوز ترويع المسلم ولو بما صورته صورة المزح).
وقد عدَّ الهيتمي رحمه الله في كتابه الزواجر، والإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كتابه الكبائر: ترويعَ المسلم من كبائر الذنوب.
فإياكم يا شبابنا وهذه الأفعال المشينة، والأعمال المحرمة، وارتقوا بأفعالكم وهممكم إلى العز، ونافسوا على المجد، وأقبلوا على النافع لكم في الدين والدنيا، فالمجتمع الإسلامي بحاجة إليكم، والمسلمون يتطلعون إلى عطائكم المثمر، والأمة على مثلكم تقوم، فلا تضيعوا أوقاتكم حرسكم الله في غير المفيد، ولا يمضي شبابكم في غير أمر حميد ، فما أكثر النادم على ضياع عمره، فلا يدفعنكم البحث عن الشهرة، أو اللهث لإضحاك الناس أن ترتكبوا ما يضر بهم ، أو يضركم من ذنوب تصل إلى الكبائر وأنتم لا تشعرون.
فانتبه أيها الشاب المبارك أن «تفت فؤادك الأيام فتّا»، فيضيع عمرك سبهللا، و «من ضيّع الحزم لم يظفر بحاجته».
حفظ الله على شبابنا أوقاتهم، وجعلهم نصراً لأمتهم، وعزاً لأوطانهم.