د. محمد عبدالله العوين
كان زحف المليشيات الحوثية القادم من صعدة بعد محاصرة «دماج» القريبة منها وتفتيت القوة السلفية فيها، إما بالقتل أو الاعتقال والتعذيب، منظمًا ويسير وفق خطة مرسومة بالتحالف مع الحرس الجمهوري التابع لعلي عبد الله صالح للسيطرة على المراكز الحيوية في صنعاء، بعد ألاعيب إعلامية ووعود كاذبة باقتسام السلطة وفق الاتفاق على بنود الحوار الوطني. وفي 21 سبتمبر 2014م أعلن الحوثيون رفضهم الموافقة على حكومة الوحدة الوطنية، وأعلنوا سيطرتهم على مفاصل الدولة، واكتشفت ست خلايا تجسس إيرانية في صنعاء ووجود أسلحة ومعدات حربية، وبدأت تتكشف النوايا المبيتة لدى المليشيات والمهمة المكلفة بها، التي تتجاوز حدود وجغرافيا اليمن إلى الجزيرة العربية كلها.
وفي يوم 26 فبراير 2015م ألقى عبد الملك الحوثي خطابًا، أعلن فيه تعديل علاقات اليمن الخارجية، ورسم مسار جديد لليمن تحت هيمنة المليشيات متباهيًا بأنه ينطلق في علاقاته الخارجية إلى «أفق أوسع»، ويقصد بذلك إيران، ووجَّه تهديدًا مباشرًا للمملكة مستخدمًا عبارات غير لائقة مدفوعًا بمراهقة صبيانية نزقة، وقام مسلحو الحوثيين بإجراء مناورات بأسلحة ثقيلة على الحدود السعودية في تهديد عملي مكشوف، وقال الناطق باسمهم إنهم سوف يحررون نجدًا والحجاز، وأن قواتهم جاهزة لرد أي هجوم سعودي، وأن قوات جماعة «أنصار الله» لن تتوقف إلا في الرياض!
وأمام هذا التحول الخطير في الاتجاه السياسي والفكري في اليمن، وتكوُّن ولاء طائفي جديد لدولة عدو للأمة العربية والإسلامية، هي إيران، كان لا بد من اتخاذ القرار التاريخي الذي سيعيد الأمور إلى نصابها، ويحطم الآمال الفارسية، ويكبح جماح غلواء الطائفة الحوثية الجاهلة الحمقاء في إقامة دويلة مستنسخة من ولاية الفقيه الفارسية، تشكل خطرًا كبيرًا على الأمة العربية كلها، لا على السعودية فحسب.
كانت قيادة المملكة تراقب تسارع الأوضاع المتدهورة في اليمن، وتلحظ بدقة البصير ووعي الحكيم وحرص المؤتمن أن تحركات المليشيات تتم وفق تنظيم وتسلسل متتابع، يعجل بالهيمنة المطلقة على اليمن كله، بما فيه عدن عاصمة الجنوب، وفق خطاب إعلامي كاذب ومخادع أول الأمر، ثم مواجه ومستفز بعد أن تمت له السيطرة المطلقة.
في الساعة الثانية من صبيحة يوم الخميس 5 جمادى الآخرة 1436هـ، الموافق 26 مارس 2015م، انطلقت «عاصفة الحزم» بقيادة المملكة، ومشاركة عدد من الدول العربية، منها البحرين والإمارات العربية المتحدة والسودان والأردن والكويت وقطر والمغرب ومصر، ودعم من دول صديقة أخرى.
واكتسحت الطائرات السعودية الأهداف العسكرية الرئيسة التي تشكل مفاصل القوة في نظام المخلوع علي عبد الله صالح؛ إذ لا قيمة عسكرية تذكر للمليشيات، ولا يمكن أن تعرف بأنها جيش نظامي؛ ولذلك تركز القصف على القوات الجوية لصالح والحرس الجمهوري والمطارات العسكرية، ومخازن الأسلحة؛ حتى تم شل القوة الجوية، وتعطيل نسبة كبيرة من مراكز إطلاق الصواريخ.
بعد هذا العرض السريع لا بد من الإجابة عن تساؤل عنوان المقال.. فلنتخيل أن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لم يعقد العزم على إنهاء وسحق مليشيات الحوثي واسترداد الشرعية وإعادة اليمن إلى حضنه العربي.. ماذا يمكن أن يحدث؟!
لو لم يطلق الملك سلمان عاصفة الحزم لأصبح اليمن قاعدة عسكرية كبرى لإيران، بل مستعمرة إيرانية كاملة، ومنطلقًا بريًّا وجويًّا وبحريًّا لغزو المملكة ودول مجلس التعاون الخليجي بقوات إيرانية ومليشيات وعصابات طائفية ومرتزقة، يستقدمون من كل مكان، كما هو الشأن في سوريا والعراق، ولتم تحقق الحلم الفارسي باستعادة الإمبراطورية الساسانية الهالكة، ولأصبحت اليمن مصدرًا رئيسًا للشعوذة الطائفية ولتوليد الإرهابيين ونشر الفتن والخراب والتمدد الفارسي إلى إفريقيا عن طريق باب المندب والبحر الأحمر.
لقد حطمت «عاصفة الحزم» الأوهام الصفوية، ووأدت الأحلام الفارسية، وحمت الحرمين الشريفين، ومنعت اليمن من أن يتحدث الفارسية يومًا بعد أن كان موطن العرب الأول، وبيت الحكمة، ومخزن التراث العربي الأصيل.