عبد الرحمن بن محمد السدحان
* الأخ والصديق الدكتور جاسر بن سليمان الحربش، استشاري الأمراض الباطنية المعروف، الأديب الذي لا يحتاج إلى (تعريف) وهو مجموعة مواهب خصه الله بها، منها (مهنية) الطب التي أهلته للقب الاستشاري (ومهارة) الأدب المتمكن منه لغة وثقافة وطرحاً، ويندر أن تجتمع الخصلتان في امرئ واحد، خاصة حين يبلغ في ممارستها سقفَ الإبداع!
***
* اقرأ باهتمام منتظم ما يجود به قلمُه المضيء بشعاعيْ العلم والحكمة، على الصفحة الأخيرة من هذه الصحيفة، عبر زاويته شبه الأسبوعية (إلى الأمام) فتَتَراءى لي أطيافٌ من المستقبل المشرق تتلألأ عبر حروفه تفاؤلاً وأملاً وبشارة بغد أفضل لإنسان هذه الأرض الطيبة!
***
* وأعتقد أنّ أبرزَ مواصفاتِ (خلطةُ) الإبداع لدى الدكتور جاسر بعدُه عن التكلُّف فيما يكتب، سواء في اللفظ أو في (هندسة) العبارة. ولذا، لا يجدُ القارئُ صعوبةً في هضم معانيه وطروحاته.
***
* وبمناسبة هذا الحديث، لفت نظري مؤخَّراً مقال طريف المعنى والغاية للدكتور/ جاسر الحربش بصحيفة (الجزيرة) عبر زاويته الأسبوعية أنفة الذكر بعنوان (نحن بحاجة إلى إعادة تأهيل)، طرح من خلاله مواقفَ سلوكيةً في مخيلتنا تنمُّ عن تضارب بين ما يفعله المرءُ منا طَائِعاً مخْتاراً، وهو يعلم أنه بعيد عن الصراط القويم. ثم ينقلب بعد ذلك واعظاً وناقداً ومرشداً! وضرب لذلك أكثر من مثل، منها مَنْ يغادر حديقةً عامة مع أهله بعد إشباع الحاجة للنزهة البريئة، مخلِّفين وراءهم أكواماً من النفايات، ورغم ذلك (يتذمَّر) هذا المواطُن أو المقيمُ من نفايات بعض روّاد الحدائق أمثاله. متخذاً سمةَ من (يدعو) إلى المعروف وينسى نفسه!
***
* اتفق مع ما انتهى إليه الدكتور الحربش من أن أصحاب هذه النماذج السلوكية يحتاجون إلى (إعادة تأهيل) حضاريّ وأخلاقيّ، يضعهم على صراط الحق والفضيلة، فلا ينكرُ (فعلُهم) ما يقولون أو يكتبون دعوةً إلى الفضيلة وترغيباً فيها، وما أكثر هؤلاء وأولئك في مجتمعنا المعاصر.
***
* وأتذكر في هذا السياق الانتقادَ الحادَّ الذي نقرأُه ونسمعه بغزارة وحماس ضد المسرفين في الولائم، فإذا أولموا لمناسبة أو أخرى.. كانوا في مقدمة المسرفين ثم لا يُحسِنُ أحدُهم التصرُّفَ فيما بقي من طعام لم يَمْسَسْه بشرٌ، وينسَى بعد ذلك الفقراء الذين تصلى ضلوعَهم نارُ الجوعِ والعوزِ آناء الليل وأطراف النهار!
***
* أختم هذا الحديث بدعوة المؤسستين الدينية والتربوية ممثلةً في المساجد والمدارس والجامعات بأن تمارسَ دوراً أكثر التصاقا بتقويم السلوك الإنساني باتجاه واحد لا تناقضَ فيه ولا ازدواجية (يستوي) فيه القولُ مع الفعل نقَاءً وفضيلةً وانسجاماً.
***
* نعم.. لا بد من تصحيح (خارطة) سلوكنا الاجتماعي دينياً وتربوياً، إذا أردنا أن نكونَ (خيرَ أمةٍ أُخْرجت للناس)، فلا نظلم أنفسنا ومن معنا إسرافاً أو غلواً فيما نأكل ونشرب أو نلبس، وأن نمارس فضيلة الشكر لأنعم الله الذي وهبنا كل شيء، ولم يحرمنا من أي شيء مُبَاح!