مها محمد الشريف
الإنسان يكتسب صفته من خلال مفهومه للقانون وارتباطه بما يحدث، والدافع المنطقي في اتخاذ القرار ليكون القانون إحدى عناياته الأولى في تنظيم الحقوق والسيادة، وقسّم الحقوقيون القانون إلى فرعين أساسيين: القانون العام والقانون الخاص. وهذان الفرعان ينطبقان على القانون الداخلي (الوطني) وعلى القانون الدولي.
يمكن أن يوجه اللوم على أحداث خالية من صفاتها القانونية وندين بها الفوضى التي تحدثها أعمال الشغب، وصنوف الانحراف في المبادئ وعلى وجه الخصوص الرياضة التي تعتبر نشاطاً مهماً لحيوية المجتمعات والتنافس الشريف كمقياس لأجمل ما فيها، ولكن لو حصل العكس ينتشر التعصب ويقتل جمالية التنافس.
مرة أخرى نقول بالمعنى العادي: إن مسار الوسط الرياضي عاد إلى صوابه بعد حالات من التعصب والتجاوزات أوصلته إلى طريق مسدود وأوجدت عداءات تُنشر على وسائل الإعلام تهدد تماسك المجتمع.
إن التأكيد على الروح الرياضية والمنافسة الشريفة مطلب أساسي، وقد وجه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - أيده الله - بذلك قائلاً: «إن الشباب سفراء لبلدهم ومجتمعهم، وعليهم مسؤولية كبيرة، فالنشء يتابعهم ويتأثر بهم، وعليهم أن يكونوا قدوة حسنة لهم، ويجب أن تعكس الرياضة أخلاق المسلم، والتنافس يجب أن تحكمه قيمنا وأخلاقنا وتعاليم ديننا التي تنبذ التعصب والتنافر بين أبناء الوطن الواحد وبما يعزز الولاء والانتماء للوطن، فوطنكم محسود على نعم كثيرة حباه الله بها، ومنها التماسك والتلاحم في وجه كل من أراد به السوء».
في هذا الخطاب التوجيهي جرى الكشف عن روح التآخي والتآلف وتعديل المشهد الرياضي، وأثر هذه المراحل المتتالية من جملة التصريحات والتصرفات التي تعقب نهاية المباريات أو البطولات لتعكس حالة الوعي بأن الرياضة تنافس شريف فقط. تنتهي صولاتها وجولاتها بنهاية المناسبة، ولذلك كان لافتاً طريقة احتفاء الهلال بعد نهاية اللقاء الذي توجه ببطولة الدوري، حيث لم يظهر أي تصرف أو حديث من إدارة الهلال أو اللاعبين إلا بحدود الفرحة بالإنجاز، وشكر كل من أسهم فيه، والتركيز على أن أمام الهلال استحقاقات كثيرة مستقبلاً ومهام كبيرة.
عليه يترتب التركيز، وهو ما نحتاجه برياضتنا حيث شهدت مواسم سابقة منذ سنوات طويلة بعض التصريحات والتصرفات التي كانت لها مساهمة بزيادة التعصب الذي أثر على المزاج الرياضي وأساء لأهمية الرياضة بصحة المجتمع وتطوير المهارات والإبداع لدى الشباب.
حقيقة أن القانوني حين يرجع إلى أسس القانون ويحاول أن يحدد طبيعته ولا يمكن أن يبقى بمعزل عن التفسيرات أو «الاختيارات» الرئيسة التي طرحت لفهم أو لإدراك عالمنا، كما أنه لا يمكن أن يجهل أو يتجاهل مقدار تأثير هذه النزاعات أو المواقف في الأفكار والنظريات التي طرحت في ميدان المجتمع، وبالتالي لا يمكن أن نعزل مفهومه للقانون عن مفهومه للعالم والحياة، وإذا كان في الواقع تفكير الإنسان ومصيره، في السلام الاجتماعي وحدود القانون.
يقول الأستاذ روبية في مطلع كتابه «النظرية العامة للقانون»، «لا شك أن هناك اتفاقاً في القول بأن هدف القانون هو إقامة نظام اجتماعي منسجم وحل النزاعات بين الأفراد، لكن منذ أن تجاوز هذا التعاطي... فإن الاختلافات تنفي الحقائق».
وهكذا، رحب الكثير من المجتمع بالتوجيهات الجديدة التي تهدف للسيطرة على التعصب الرياضي، واعتبروها خطوة رائعة، عوضاً عن الاحتقان وتبادل الاتهامات بين محللين رياضيين يعلنون تعصبهم على منصات الإنترنت، ويحرضون على زيادة التفاعل حتى زادت حدة التوتر وسادت على الجماهير.
فإن تساؤلات عدة تثار بهذا الصدد، لماذا لا تقتصر التصريحات على شخصيات رسمية لكل نادٍ أو كمتحدث إعلامي رسمي؟ هذه القواعد القانونية المحددة لسلوك الأفراد في المجتمع تنبع من ضرورات الحياة في الجماعة تم وضعها عن قصد وتفكير.