د.عيد بن حجيج الفايدي
يعتقد البعض أن مفهوم الرصيف مفهوم حديث مرتبط بالتطور العمراني الحديث، بينما المتصفح لمعاجم اللغة وسير الرحالة، يؤكد أن الرصيف، والرصف، معروف وليس مستحدثاً، ففي معاجم اللغة الرصف ضم الشيء إلى بعض، ويقال للمصلي إذا صف قدميه رصف قدميه، وذلك إذا ضم إحداهما للأخرى، وتراصف القوم في الصف قام بعضهم إلى بعض، وجواب رصيف، أي محكم ورصين.
أما الرحالة ابن بطوطة فقد شاهد عند زيارته إلى دمشق الرصيف وأنّ هناك أوقافاً مخصصة للرصيف، ووصف الرصيف فقال «زقاق فيهما رصيفان في جنبيه يمر عليه المترجلون ويمر الركبان بين ذلك».
أما في العصر الحديث سيصاب ابن بطوطة بالدهشة والاستغراب لحال الرصيف. سوف يجد أنواعاً وأشكالا متنوعة ومتناقضة، فقد تغير الرصيف بتغير تخطيط المدن وأضحى للطريق ثمانية أو عشرة أرصفة، بمثابة حواجز تمنع التنقل أو المرور بين أطراف الطريق بحرية تامة. بل إنه مشكلة المشاكل لسائقي السيارات، فقد يسير مسافات بحثاً عن دوار أو منعطف، وظهر للمشاة رصيف خاص يسمّى «الممشى» له مواصفات، وميزانيات خاصة يتسابق عليه الشركات الصغيرة والكبيرة، ولا يمكن أن يتوفر في كل البلدان.
ورصيف ابن بطوطة الخاص بالمترجلين لا يمكن أن يستفيد منه المشاة، فقد وضعت في وسطه أعمدة إنارة وبينهما أنواع الشجر والحجر
ومع هذا يتمتع الرصيف، بعناية المسؤول حيث يضع له الخطة الأولى، أما إذا وصل ولم يجده وجّه ببداية العمل فوراً، أما إذا وجده وضع عليه رصيفاً آخر أو قام بتغيير تخطيطه وعرضه وطوله ونوعه وغيّر أعمدة الإنارة والشجر والحجر، وبالتالي كم من الأموال صرفت على هذا الرصيف الذي لا يستخدمه المرصوف له، أما المخططات الجديدة فهناك هدر من نوع آخر، فقبل أن يتم البناء للمنازل يتم العمل بالرصيف. وبالتالي تزيد التكلفة على البائع والمشتري. لكن هل يسلم من التغيير أو التبديل ؟ بالعكس هو أول ما تناله الآلات بالتكسير والتدمير، وهذا ما تتحدث عنه ملفات الإنجاز الكبيرة والصغيرة. فيقولون رصف وإنارة، ثم بعد فترة وجيزة إعادة رصف وإنارة الطريق، ثم يأتي مسؤول آخر فيقول إعادة تخطيط الرصيف وتدور المعدات بالعمل.
لكن يبقى السؤال الأهم متى يتوقف هذا الهدر، ويكون هناك رصيف محكم يستفيد منه المترجلون والمشاة في كل شارع مع توفير المال والجهد؟.