حمّاد السالمي
* من أسهم في صناعة (المنافخة)؛ من أصحاب الشهادات الوهمية الجامعية المزورة؛ مثل السواكنية؛ وتلك العابرة للقارات؛ التي ينتفع بها أعضاء قبيلة (هلكوني)؛ الذي وصل عددهم بيننا إلى (7000) عضو.؟
* ومن نفخ في رؤوس الساعين للشهرة والوجاهة، واستغلال الناس بمظاهر كاذبة خادعة؛ خلف لقب شيخ؛ من غير أهل العلم المعترف بهم، وكبار السن المقدرين في مجتمعهم..؟!
* أليس هم الجهلة والسذج والبسطاء من المجتمع؛ الذين لا ينزلون الناس منازلهم، ويتخادعون فيُخدعون بظاهر القول والشكل لا أكثر..؟! فهم من شجّع وساعد وأسهم؛ في بروز وظهور هذه الطبقة المزيَّفة والمزيِّفة في المجتمع..؟
* لو توقف الأمر عند هذا؛ لهان علينا إلى حد ما، لكن إذا نحن نعيش في زمن شيوع المعرفة بطرق سهلة وبسيطة، وبيننا من يتهالك وراء مدعين وكذبة ومستغلين لظروف الناس؛ بهدف الاستيلاء على أموالهم بدون وجه حق؛ فهذه والله مصيبة كبيرة، لا يُسأل عنها المدعي المبتز الكاذب وحده، وإنما الضحية هو المسئول الأول عن حالة الغفل والجهل الذي أوقعه في شباك اللصوص، الذين يمارسون عليه تجارة الوهم، وبيع الخرافات، تحت أغطية كثير منها ديني مع الأسف.
* في أسبوع واحد؛ رصدت عددًا غير قليل من منشورات تكشف عن رقاة- زعموا- يعالجون كل الأمراض، ومنهم من يقرأ على ماء الخزان بسعر (900 ريال) إذا كان في فيلا..! ومعالج يعالج بالكي بـ (500 ريال)، ويتكدس آلاف الناس حوله في قصر أفراح في جدة، بعد أن نشر هو وزبانيته مقاطع كاذبة وخادعة؛ لمقعدين ينهضون من عرباتهم فورًا بعد الكي..! عجبي.
* ومن يتابع وسائل (التفاصل الاجتماعي) يلاحظ؛ كمية الدجل التي تسوق من خلال (السوشيال ميديا)، مما يدل على احترافية الدجاجلة في هذا الزمان، فأحدهم يكشف أنه يحصد ملايين الريالات كل يوم وهو جالس يصف للموهومين وصفات سحرية لإبطال السحر والجن والعفاريت، ولعلاج المحسودين والمعيونين وخلافه، ودجال آخر يطلب (2000 ريال) فقط، مقابل خبطة عين منه عن بعد على خصمك..! وآخرون ينشرون إعلانات مقروءة ومسموعة ومرئية؛ توحي للناس بخوارق في التداوي والعلاج لا يعرفها أحد، وما غاظني أكثر؛ أن أحدهم وقف يخطب في مسجد بعد أداء الفريضة، فكان موضوع خطبته؛ منشور دعائي لراقي يزعم أن غمس الإصبع في التربة؛ مع ترديد عبارات محددة؛ يشفي من كل مرض..! هكذا.. ومع أن الضحايا لا يكشفون عن أنفسهم عادة، فهم يدفعون ويسكتون، وينكفئون على خيباتهم، بل ويغررون بغيرهم للوقوع فيما وقعوا هم فيه؛ فنحن لم نسمع أنه تم مساءلة أو محاسبة واحد من هؤلاء الدجاجلة، الذين يلعبون بعقول الناس وخاصة النساء.
* تذكرت مع هذا الرصد الجديد؛ أني قمت قبل خمسة وثلاثين عامًا؛ برصد وملاحقة لعدد من مدعي الرقية الشرعية ومدعي العلاج، ونشر هذا في حلقات بصحيفة الجزيرة، فمن ضمن من واجهت في الطائف؛ رجلًا أميًّا لا يقرأ ولا يكتب، كان يجلس على الأرض في دكان صغير متسخ على شارع حسان بن ثابت، ومن أمامه وخلفه علب صفيح مكشوفة، وفيها خلطات عشبية، وقد رأيت كيف يأتيه الناس طالبين العلاج لأمراض يصفونها له، فيجمع من هذه العلبة ومن تلك وتلك في كيس، ويقول هذا كذا وهذا كذا، ويقبض مبالغ كبيرة وقتها. قلت له: هذه علاجاتك فقط..؟ قال: لا. هناك علاجات سحرية لا أعطيها إلا لمن حالاتهم صعبة، مثل المسحورين ومن به مس وعين. قلت: من أين لك بها..؟ قال: أنا أجمعها من حناحن الطيور الطائرة في السماء..! وقتها أيقنت أنه صنيعة مجتمع جاهل لا أكثر.
* وفي الفترة نفسها؛ علمت بوصول معالج آخر يتنقل في خِيم مع خدم وحشم له، فيصيف بالطائف، ويشتو بمكة، ويربع بجدة. ذهبت إليه في مخيمه في طرف الطائف في مطل على وادي وج. كان الوقت ظهرًا، وهناك ذبيحة على النار تطبخ. دخلت فإذا هو رجل بدوي رث الملبس. شككت وقتها من كلامه في أنه يقرأ بصورة جيدة. قال لي: بأنه يرقي المرضى بالقرآن في أوقات محددة من الليل فقط..! وكنت لاحظت وجود عوائل في خيمة مجاورة قال: بأنهم مرضى ينتظرون دورهم في العلاج، وهم من مكان بعيد.
* هناك قصص كثيرة تُذكر وتُنكر في هذه الحالة؛ التي تؤكد أن الكثير من هؤلاء المستغلين لظروف الناس باسم الرقية والكي والعلاج العشبي؛ هم أذكياء جدًا، ومنهم من هو مريض نفسي، ويمارس إسقاطاته المرضية على ضحاياه، وخاصة النساء منهم، ونتذكر جيدًا؛ كيف أن مدعيًا للعلاج بالقرآن والرقية كما كان يزعم في سنوات خلت؛ خنق مريضة حتى ماتت بين يديه، وكان يجهد- على حد زعمه- لإخراج جني متلبس بها.
* كم نحن بحاجة إلى حرص ويقظة، وإلى وعي اجتماعي يوقف زحف الدجاجلة، ويقي الناس من استغلالهم ومن شرورهم التي استشرت بين المضرورين من البسطاء والضعفاء والسذج. وأن يكون هناك تدخل رسمي، لوقف استغلال وسائل (التفاصل الاجتماعي) من هؤلاء الذين يجيدون الخداع، ويلبسون على الناس باسم القرآن والدين والرقية.
فكما أن الإنسان المؤمن لا يحتاج إلى وسيط بينه وبين ربه؛ فإن الرقية بالقرآن الكريم؛ لا تحتاج إلى وسيط، ففي وسع كل مسلم يقرأ القرآن؛ أن يرقي نفسه. والخطر الأعظم؛ هو في إيهام الناس أنهم ممسوسون أو مسحورون ومعيونون، ثم تبدأ سلسلة من عقاقير عشبية خطرة، وكي نار وخلافه، والهدف في البداية والنهاية؛ هو جيب الموهوم لا أكثر.
* من يحمي الناس من غفلهم وجهلهم..؟ هؤلاء الغَفَلة والجَهَلة؛ هم من يسهم بقدر كبير في صناعة الدجاجلة والكذبة واللصوص.