د. محمد عبدالله العوين
لم يتكوّن بعد عند بعض الزعامات العربية موقف واضح من إيران، يصفها بما يليق بها وما تفعله في الدول العربية التي تمددت فيها، إما مباشرة بحرسها الثوري أو بالمرتزقة الذين تستأجرهم من كل مكان من العالم؛ سواء كانوا طائفيين أو حتى لا يدينون بدين ولا ملة؛ بل هدفهم الحصول على المال فحسب، أو بواسطة وكلائها من التنظيمات والأحزاب الإرهابية التي تؤسسها وتنشرها في أوطان العرب وعدد من الدول الإسلامية؛ كحزب الله اللبناني، وحزب الدعوة العراقي، وأنصار الله الحوثي اليمني، والمجاميع القتالية التي أفتى لها المرجع الديني الأعلى في ملتهم علي السيستاني بما أسماه «الجهاد الكفائي » لقتال داعش، وهو في الحقيقة تطهير العراق من السنّة، كما يحدث في سوريا التي دخل إليها حزب الله اللبناني وغيره من الطائفيين بحجة دعم نظام بشار الأسد، وكما يحدث في اليمن التي يقود المعارك فيها طائفيون من لبنان و البحرين والعراق وسوريا بقيادة إيرانيين من الحرس الثوري.
وعلى الرغم من مد التخريب الإيراني في المنطقة العربية، وهو أمر مفزع ودام لا يمكن إنكاره، لا زالت بعض الزعامات العربية تتخذ موقف الصمت أو الحياد بدوافع مذهبية، وتتخذ موقفاً أقرب إلى التأييد والمناصرة بتبادل العلاقات الكاملة مع إيران، بما فيها الثقافية والإعلامية، وهو ما يسمح بإقامة مراكز ثقافية وتبادل زيارات وإجراء عمليات تلميع إعلامي للأفكار والتوجهات الصفوية، وتشويه في الوقت نفسه مواقف الدول العربية التي كونت جبهة صد عسكرية وإعلامية حازمة، أوقفت توغل المد الإيراني في المنطقة وكشفت عوار دعاوى الملالي، وعلى رأس الدول المقاومة للمد الصفوي قيادة المملكة التي كونت التحالف العربي، وأتبعته بالتحالف الإسلامي.
مما يؤسف له أنّ في الخارطة العربية دولاً لا زالت لم تتخذ بعد الموقف الذي يجب أن يتخذ من الخطر الإيراني الزاحف على الأمة العربية كلها، وكأن بعض هؤلاء المحايدين أو المنفتحين على إيران، لا يدركون أن المد الصفوي المعادي للعرب وللمسلمين لا يستثني أحداً، ولا يفاضل أحداً على أحد؛ بل يتخذ سياسة الاحتواء وارتداء الأقنعة والبدء بالأقرب والأسهل، ثم اكتساح من كان يزعم أنهم أصدقاء أو على صلة مودة وقرب طائفي بعصابة الصفويين.
ذلك أنّ العقيدة الصفوية في حقيقتها ليست طائفية ولا تمت لآل البيت - رضوان الله عليهم - بصلة، وإنما تتوسل بادعاء التشيع للوصول إلى الغاية التي كان يسعى لها الفرس منذ أن سقطت « المدائن » وانهار إيوان كسرى أمام الفتح العربي الإسلامي في معركة القادسية الباسلة، في عهد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بقيادة سعد بن أبي وقاص في 13 شعبان 15 هجرية.
لذلك نجد أنهم لا يطيقون ولا يسمحون أن يتسمى فارسي باسم عمر، فهو عدوهم اللدود، ويحتفلون ويمجدون ويقدسون اليوم الذي أقدم فيه غلامهم فيروز، الذي كان يعمل حداداً في المدينة الملقب بأبي لؤلؤة المجوسي على قتل الخليفة الثاني عمر؛ انتقاماً لفتحه بلادهم، وقد صنعوا لذلك الصبي المجرم ضريحاً كبيراً يقع في أطراف طهران يحجون إليه كل عام ويتبركون به في اليوم الذي وقعت فيه الجريمة.
وأمام عصابة شعوبية كهنوتية متزمتة تحكم إيران اليوم، لا يمكن أن تنهض علاقات حسن جوار ولا أن يتم تفاهم مشترك كما يتطلع بعض من يحسنون الظن، أو من يروّجون بدوافع طائفية لذلك، وأمام الأخطار المحدقة بالمنطقة العربية كلها والطموح الصفوي بتصدير ما يسمونه الثورة وولاية الفقيه وفكرة أم القرى، وما ينسجونه من خزعبلات كهنوتية يتحججون بها ويجعلونها تقية وغطاء لمشروعهم التوسعي على أرض العرب من الشرق إلى أقصى الغرب، لابد من اتخاذ موقف عربي موحّد أو بالأكثرية على الأقل يكون عنوانه « مقاطعة إيران دبلوماسياً واقتصادياً » وتجريمها، ودعوة العالم الحر إلى اتخاذ موقف عالمي يحاصر هذه الدولة المارقة إلى أن تسقط من الداخل.