د. أحمد الفراج
كان الإعلام الأمريكي اليساري مشغولاً بملاحقة ترمب، منذ اللحظة التي تبيّن من خلالها أنه مرشح محتمل للفوز بالرئاسة، وأخذت الحملة تتصاعد ضده، ثم بلغت أوجها بعد أدائه القسم ودخوله البيت الأبيض، وكان التركيز عالياً على قضية التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية، وهي القضية التي أثبتتها الاستخبارات الأمريكية، ولكنها لم تربطها بأي حزب سياسي، ولا تزال تحقق فيها، ولكن الإعلام اليساري المنحاز كان، ولا يزال، يعمل جاهداً لربط هذا التدخل بالرئيس ترمب، أي أن الروس تدخلوا لصالح ترمب، وبترتيب مع مساعديه، وكانت السيناريوهات التي يرسمها كبار اليساريين في الإعلام بهذا الخصوص غير عقلانية، مثل الزعم بأن أحد رجال الأعمال الروس باع عقاراً على ترمب، قبل عدة سنوات من ترشحه للرئاسة، وهو العقار الذي تمكّن ترمب من بيعه بربح كبير فيما بعد، ما يعني أن ترمب كانت تربطه علاقات مشبوهة بالروس منذ فترة طويلة!
الرئيس ترمب كان يتابع استفزاز الإعلام اليساري، ومحاولاته لعرقلة مسيرته الرئاسية، ولأنه شخصية عنيدة، فقد كان، على ما يبدو، يستقصد التماهي مع سيناريوهاتهم المتخيّلة لعلاقته المشبوهة مع بوتين، وبالتالي فقد اختار الجنرال، مايكل فلن، الذي كان يرتبط بعلاقات طيبة مع الروس ليكون مستشاراً للأمن القومي، والذي أقاله لاحقاً، ثم ترك كل المرشحين المحتملين لوزارة الخارجية، واختار رئيس شركة أيكسون، ريكس تيلرسون، ليصبح وزير خارجيته، وتيلرسون يرتبط بعلاقات وثيقة جداً مع الروس بحكم عمله في المجال النفطي، بل يرتبط بعلاقة شخصية مع الرئيس بوتين، فقد سبق أن منح بوتين تيلرسون أعلى وسام روسي، وكأن ترمب كان يريد أن يضيف حطباً لوقود إعلام اليسار من باب النكاية، رغم أنه كان ينفي ارتباطه بأي علاقة مع روسيا، منذ اليوم الأول لفوزه بالرئاسة.
جاء تدخل ترمب في سوريا، والذي كان صفعة قوية لروسيا، ليضرب اتهامات الإعلام الأمريكي لترمب في مقتل، ومن الواضح لمن يتابع الإعلام الأمريكي المنحاز ضد ترمب أن هذا الإعلام وجد نفسه في ورطة، فمواجهة ترمب لروسيا كانت تستوجب وقفتهم معه، وفي ذات الوقت هم يتهمون ترمب بعلاقة ودية مشبوهة مع روسيا، فما كان من بعض منظري هذا الإعلام إلا الاستعانة بنظرية المؤامرة، والزعم بأن ترمب خطط مع بوتين لترتيب ضربة نظام الأسد، وذلك للتغطية على العلاقات الودية بينهما! وهي النظرية التي وجد فيها اليسار متنفساً، بعد أن فاجأهم ترمب بضرب نظريتهم الأساسية بخصوص علاقته الودية بالروس، ورغم كل ذلك، فمن المتوقع أن يستمر الإعلام في انحيازه ضد ترمب، لأن هذا الانحياز يتكئ على أيدولوجية عميقة، والمؤدلج لا يمكن أن يكون واقعياً ومنصفاً تحت أي ظرف!