جاسر عبدالعزيز الجاسر
المعمرون من الروس، بل حتى الذين لا يتعدى عمرهم الخمسين عاماً يتذكرون كيف كانت الآلة الإعلامية للجيش السوفييتي تخفي أرقام القتلى الروس في أفغانستان، وكيف كانت الأرقام المعلنة تتطلب من المواطن السوفييتي أن يخضع الأرقام إلى عملية ضرب حسابية تصل في أحيان كثيرة إلى حاصل الرقم -الذي تعلنه رئاسة الأركان في الجيش- مضروب في مائة، ويعني أنه إذا أعلن عن مقتل عشرة جنود فإن الحصيلة 10×100= 1000 قتيل، هكذا كان المواطنون في الاتحاد السوفييتي المنحل يقدرون قتلاهم في أفغانستان.
الآن عادت الآلة الإعلامية العسكرية الروسية إلى نفس الطريقة والأسلوب لإخفاء خسائر الجيش الروسي في سوريا، والتي تنذر بأن الروس قد سيقوا إلى (وحل دماء) لا يقل عن وحل أفغانستان، وقد بدأ المواطنون الروس يتوجسون قلقاً من الأرقام التي تعلنها وزارة الدفاع الروسية عن ضحاياها في سوريا بعد أن تسرب الشك إلى هؤلاء المواطنين عن صحة ما يعلن عن خسائر الروس في سوريا وعدد القتلى الذين يسقطون في المعارك هناك، وهذا الشك وصل إلى وكالات الأنباء العالمية التي لها مصادرها في سوريا التي تنشر أرقاماً تفوق كثيراً ما تعلنه وزارة الدفاع الروسية، فقد كشفت وكالة (رويترز) للأنباء العالمية يوم الأربعاء الماضي بأن عدد القتلى الروس في معركة تدمر التي جرت في أواخر كانون الثاني (يناير) الماضي من أوائل العام الحالي حتى أواخر آذار (مارس) الشهر الماضي بلغ أكثر من 21 قتيلاً حسب الإحصائيات التي رصدتها الوكالة الدولية، والتي استقتها من أحاديث أصدقاء وأقارب الضحايا الروس وتدوينات على وسائل التواصل الاجتماعي والعاملين في المقابر الروسية، وهو أكثر من الرقم الذي أعلنته وزارة الدفاع الروسية بأربعة أمثال، إذ كانت الدائرة المختصة بالإعلام الحربي قد أفادت بأن مجموع الذين قتلوا من الجنود الروس لم يتعدوا خمسة من العسكريين.
هذه الحصيلة لقتلى العسكريين الروس سواء اقتصرت على ما أعلنته وزارة الدفاع الروسية أو وكالة الأبناء الدولية (رويترز) تكشف ما يخسره الروس من جراء تورطهم في مستنقع سوريا الذي جرهم إليه حليفهم المنبوذ دولياً وسورياً وإقليمياً بشار الأسد، الذي لا يحبذ بقاءه على رأس السلطة في سوريا سوى ملالي إيران والطائفيين المتشددين في لبنان والعراق. وهذا ما ضاعف خسائر روسيا، فبالإضافة إلى ارتفاع عدد القتلى من العسكريين يتزايد يومياً فقدان معدات عسكرية من طائرات وناقلات وعتاد منها صواريخ تطلق يومياً ومئات القنابل وجميعها تكلف أموالاً وأعباء اقتصادية تضيف عبئاً على الاقتصاد الروسي، إضافة إلى ذلك تخسر روسيا الكثير من رصيدها السياسي والأخلاقي؛ لأن الوقوف إلى جانب رئيس نظام يقتل شعبه بالغازات الكيماوية والبراميل المتفجرة يجعلها شريكاً لمجرم حرب يمارس القتل ضد الإنسانية.