الثقافية - محمد المرزوقي:
رحل عاشق بن عيسى الهذال عن بيئة الثقافة بهدوء كما كان يرصدها، وكما هي عادته في تأملها من خلال رؤيته الثقافية وسرده لقصصها، الذي دونه عبر خمس مجموعات قصصية، التي اختط لها سردًا أدبيًا خاصًا تحت مسمى «قصص من البيئة» ما جعل من قصص الهذال ذات عمق أدبي ممتد في جذور (الزمكانية) الحائلية بصفة خاصة، ما يعطي نصوص الهذال لونًا خاصًا، ونكهة مكانية شمالية المذاق، وفضاء مختلفًا منطلقه السردي من العام إلى الخاص، إذ هي قصص تدور في فضاء الوطن بوصفها القصصي السعودي، إلا أنها تمتد في مسار أدبي خاص غائصة بالقارئ في أعماق المجتمع الحائلي بصفة خاصة، إذ جاءت البيئة في مجموعات الهذال إحدى الأدوات السردية التي امتلك بها لونه القصصي الخاص، الذي جعل من البيئة أحد العناصر المحركة لحبكة القصة، وجذوة يشعل من خلالها فتيل الأحداث بطريقة يستدعي فيها الذاكرة بطريقة ترصد ذاكرة المكان حينا، وتوظف قصص الإنسان الحائلي تحديدا في أحايين أخر، مستهلهمًا في توظيف هذين الجانبين حضوره الخاص من خلال دخوله إلى أحداث القصة وشخصياتها بأسلوب يزيد من حضور القص، وقدرته على استحضار الذاكرة وحكيها بحضور لا يغيب فيه أسلوب الهذال عن جذورها، ولا مداده عن فضائها السردي الذي يرسم بيئة قصصية لنصوصه مستوعبا حركية الإنسان وذاكرة المكان في نص بيئي أدبي.
لم يكن حضور الهذال في المشهد الثقافي من خلال رصده لبيئة القصة، أو لقصص من البيئة ما جعله حاضرًا في مشهدنا الثقافي المحلي، بل كان له إسهامه من منبر ثقافي هام تقاطع معه الفقيد خلال مسيرته الثقافية في الكثير من مفاصله الثقافية والتراثية والموروث الشعبي، الذي جعل من الهذال قادرًا على أن يضيف إليه، ويستفيد منه -أيضا- على حد سواء وذلك لكون الراحل أول رئيس لفرع جمعية الثقافة والفنون في منطقة حائل، ما جعل الهذال صاحب لمسة إدارية في قيادة العمل الثقافي من خلال منبر الجمعية، وصاحب حضور أدبي عبر ما أسهم به من دور في نشاط الفرع خلال ترؤسه لمجلسه، إلى جانب ما استطاع أن يلقي عليه الأضواء ويمد به من بعده بالعديد من الرؤى ضمن المسارات الثقافية من جانب، ومسارات الفنون والموروثات الشعبية في منطقة حائل من جانب آخر، إذ اجتمعت لدى الفقيد رؤية متجانسة التناغم عبر هذين الجانبين، إضافة إلى ما يملكه من أسلوب أدبي، وعين ثقافي قدمه من خلال مجموعاته القصصية (الخمس) إذ أصدر الهذال مجموعته القصصية: «دلاّل الحمير» ومجموعة أخرى بعنوان: «العرسان والفارس» وأخرى -أيضًا- من (البيئة) التي وسمها الفقيد باسم: «عرس في المستشفى» ومجموعته القصصية التي أصدرها تحت مسمى: «العصامي: أقاصيص وحكايات من البيئة».
كما أن حكايات الهذال القصصية لا تقف عن حضوره من خلال منبر جمعية الثقافة والفنون في حائل، أو من خلال ما خلّفه للمشهد الأدبي مجموعات (بيئية) المصدر، وارفة المداد الأدبي، إنما كان لشخصية الفقيد الاجتماعية التي جعلت من حميميته ودماثة خلقه رونقا أضاف إلى حضوره الثقافي مكانة ومكانًا في نفوس المثقفين في مشهدنا المحلي عامة، وكل من عرفه بصفة خاصة، إذ إن الراحل خلال مسيرته الثقافية لم تكن نقائض المنابر الثقافية ومهاترات الهامش الثقافي حاضرة في شخصه، ولا متماهية مع مداد قلمه، ما جعل من الهدوء والاشتغال على الثقافة، والإخلاص لفن القصة، جسرًا عبر من خلاله إلى المشهد المحلي، ليكون صوت قلمه كافيا أن يتخذ منه ركنا قصصيًا هادئًا، يذهب إليه كل من أراد أن يفتش في قصص الهذال مستقرئا أسلوبه الذي تشفه البيئة من جانب، وبراعته القصصية من جانب آخر، إذ إن سيرة الهذال الأدبية بين الحضور الشخصي والكلمة الأدبية، كفيلة بأن تجعله أحد الأسماء الذين سيظلون في ذاكرة مشهدنا الثقافي.