محمد عبد الرزاق القشعمي
عند إعدادي لكتاب يتحدث عن أول صحفي نجدي – سلمان الدخيل - يصدر جريدة الرياض ببغداد عام 1910 ويؤسس لدار نشر باسم (الرياض) ويصدر مجلتي (الحياة) و(الجزيرة العربية)، اطلعت على (كشاف بالجرائد والمجلات العراقية) لزاهدة إبراهيم، فلفت نظري اسم (سلمان الصفواني) وما أصدره من عدد كبير من الصحف، وتعرضها جميعاً للمنع، وتعرضه للملاحقة والسجن والنفي؛ مما حفزني للكتابة عنه، خصوصاً وأنه ينتسب إلى هذه الأرض، ويكنى بالقطيفي، والصفواني.. ونجده يكتب للأستاذ محمد سعيد المسلم وهو يعد لإصدار كتابه (ساحل الذهب الأسود)، فهو يقول: إنه من عشيرة آل إبراهيم، وموطنها الأصلي شمال الجزيرة العربية، وترجع بنسبها إلى (طي) والتي نزحت من حائل واستقرت في صفوى في العهد العثماني. وقسم منهم ذهب إلى (المشغاب) في الفرات الأوسط، وإلى الناصرية جنوب العراق.
وأنه سلمان بن صالح بن أحمد آل إبراهيم الصفواني، ولد في عام 1899م، وكانت نشأته الأولى ببلدة صفوى وإليها ينسب، وتعلم بها القراءة والكتابة ومبادئ الحساب في كُتّاب البلدة، ثم انتقل إلى البحرين ليتلقى تعليمه الابتدائي في مدرستها الأهلية، والمدرسة التبشيرية الأمريكية، ثم سافر إلى النجف ليواصل دراسته في مدرسة العلامة السيد كاظم اليزدي. وكانت النجف كالأزهر في القاهرة يؤمها طلاب العلم من سائر أنحاء العالم الإسلامي، انتقل من النجف إلى الكاظمية ليواصل تعلمه لدى العلامة مهدي الخالصي الكبير، الذي اهتم به وعامله كأحد أبنائه.
وكان الوضع السياسي غير مستقر فالانجليز يريدون العراق تحت انتدابهم، أي وجه عربي وقلب إنجليزي.. فثار العراق وضحى بالآلاف من أبنائه فتأزم الموقف ووقف المواطنون وعلى رأسهم رجال الدين يعارضون إجراء انتخابات المجلس التأسيسي الذي يراد منه إمرار معاهدة الانتداب، وصدرت الفتوى بتحريم الانتخابات، فقررت بريطانيا نفي الإمام الخالصي وأولاده، ونفي معهم الصفواني إلى الحجاز حيث الشريف حسين.
عاد متسللاً إلى العراق وإلى عشيرته في المشخاب.. وبعد فترة هدوء عاد إلى الكاظمية ليعمل في الوظائف والنشاطات المتعددة.
بدايات عمله الصحفي:
يقول إنه وجد نفسه في الوسط الصحفي مندفعاً إلى الكتابة والنشر، فتقدم بطلب إلى وزارة الداخلية لمنحه امتياز إصدار جريدة باسم (اليقظة)، فأحيل الطلب إلى مستشار الوزارة (كورنواليس)، وبعد مراجعات ووساطات سأله: لماذا اختار اسم اليقظة دون بقية الأسماء، فقال له: هذا سؤال غير وارد أصلاً.. فقال له كيف؟ قلت: لأني لو اخترت اسم (الرقدة) لأمكنك أن توجه لي السؤال نفسه، وبعد تردد وتأكد من أنه صاحب الفكرة وليس هناك من يشاركه، طلب إمهاله للتفاهم مع وزير الداخلية، وبعد مدة عاود مراجعتهم فاستدعاه كورنواليس وطلب منه الكتابة أمامه خطاباً يوضح فيه ما هي عوامل اليقظة في العراق، وذلك ليكتشف اتجاهه السياسي، فكتب جواباً بأسلوب أدبي ولغوي يصعب عليه فهمه، حتى لو ترجم، وبعد مماحكات صدر له إذن بإصدار (اليقظة).
صدرت اليقظة في أوائل سبتمبر في عام 1924م - أي بعد عودته من المنفى بعدة شهور – وكان أول مقال له في العدد الأول منها (عوامل اليقظة في العراق)، فاستقبلها القراء بالبشر والحماسة، غير أنها لم تعش طويلاً، فما كاد العدد الثالث عشر منها يصدر حتى صدر الأمر بتعطيلها إلى أجل غير مسمى، وكانت صدمة عنيفة له؛ إذ إنه في مطلع حياته الصحفية. وبعد مراجعات وتوسطات استأنفت الصدور عام 1929م، وصدر عدد واحد منها واحتجبت لمدة تزيد على خمس عشرة عاما، حيث ظهرت للمرة الثالثة سنة 1945م وحتى 1959م.
ولكن توقيف اليقظة يجعل الصحفي الذكي كسلمان الصفواني يلتف على أمر التعطيل. ونجد الدكتور إبراهيم خليل العلاف يقول: «... واجه الصفواني كثيراً من العنت والاضطهاد، وتعرض للاعتقال مرات عديدة، لكنه ظل – كما يعرفه كثيرون – صحفيًّا شجاعاً، وقد توقفت (اليقظة) مرات عديدة، فبعد صدور (13) عددٍ منها عطلتها الحكومة، ثم استأنفت الصدور في سنة 1929م، وصدر منها عدد واحد وتوقفت، وظهرت سنة 1954م، واستمرت حتى توقفها النهائي، في عهد اللواء الركن عبدالكريم قاسم سنة 1959م، وتعد اليقظة اليوم مصدراً من مصادر تاريخ العراق المعاصر».
وكتب عنه محمد حسين الزبيدي.. إنه أول مدير للاذاعة منذ تأسيسها عام 1938م [وكان اسمها إذاعة قصر الرحاب].
وعند حديثه عن اليقظة قال: «... وعلى ذكر اليقظة كان الناس وما زالوا يقرؤونها بتسكين القاف، وكان هذا مما يتضايق منه صديقنا المرحوم الدكتور مصطفى جواد. فكتب في حقله المعروف (قل.. ولا تقل: قُل اليقَظَة بفتح القاف، ولا تقل اليقظة بتسكين القاف.. ».
قلنا إنه كان يلتف على أمر التعطيل فيطلب الموافقة على إصدار جريدة أخرى باسم آخر، فنجد في موقع (منتديات مركز النورين الدولي للإنترنت) تحت عنوان: أسماء في الذاكرة، قولهم: «.. اقترنت (اليقظة) باسمه، وبعد صدور 12 عدداً أغلقتها الحكومة، وأصدر بعدها جريدة (المعارف) عام 1929م، وبعد توقفها أصدر (المنبر العام) عطلت الواحدة تلو الأخرى، ثم عاود الصفواني العودة إلى إصدار (اليقظة)، والعود أحمد، عام 1954م، فأغلقت، بعد اليقظة أصدر (صدى اليقظة)، وهكذا كانت تعطل صحفه تباعاً الواحدة تلو الأخرى. شارك الصفواني في عديد من المؤتمرات الفكرية، والصحفية داخل العراق وخارجه. عين الصفواني مديراً لإذاعة بغداد عام 1938م، وكان أحد الأعضاء البارزين في حزب الاستقلال الذي ترأسه الشيخ محمد مهدي كبة، عين وزيراً لشؤون الصحافة عام 1963م. سجن سلمان الصفواني الصحفي الرائد عام 1933م لمواقفه الصحفية والوطنية المشرفة، ومن حصيلة ذلك أصدر كتيباً بعنوان (محكوميتي) سجل فيه مشاهداته، وما لاقاه في السجن من منغصات وآلام، وقد صدر هذا الكتاب عام 1950م.
من مؤلفات صاحب اليقظة الصفواني في المكتبة العربية:
- كفا حنا القومي.
- محكوميتي.
- حرب البسوس.
- ذيول صفين.
- هذه هي الشعوبية.
حرر الصفواني عموداً يوميًّا في جريدة اليقظة على عنوان:
أخاويه، وإذن وعين، وصدرا في كتاب»..