د. صالح بن سعد اللحيدان
سبق القول على منوال سلف من قواعد وأصول، كان لا بد لي من تدوينها؛ علَّ ذلك يجدي في حين العلم اللغوي والعلم العام وبسط الثقافة المؤصلة.. كل ذلك يحتاج إلى بيان يسير عليه من ينهج النهج، ويسير المسار؛ فيغذي بهذا عقل المطلع والمتابع والمفيد والمستفيد.. كل ذلك في آن، أو لعله في آن دون آن، لكن الحق أقول إن مثل هذا يجب أن يدون ليعاد إليه في كل حين.
وكنت قد أسلفت القول في ذكر قواعد وأصول تحوم حول المعاجم وفقه الدلالة، دلالة النص على الواقعة من حيث اللغة وبسط النظر في دلالة النص على الأحكام..
وأضيف اليوم من مثل ذلك ما يأتي:
1 - لا يستغنى في بحث الكلمة للوصول إلى معناها على معجم دون معجم، أو سفر دون سفر؛ فقد رأيت النوواي والكرماني وابن حجر وابن رجب جاؤوا بمعانٍ جليلة، لم يتطرق إليها الفيروز آبادي ولا ابن منظور ولا الجوهري في الصحاح، وأردت في القسم الأول هذا أنه لا يكتفى بالمعاجم اللغوية بل لا بد من كتب الآثار التي دونت المفردات على نسق مختلف، تجذرت معه معاني اللغة ودلالة النحو وسلامة البلاغة.
2 - لا بد لمعرفة معاني المفردات، أي مفردات من التأني وطول البال وسعة النطاق، خاصة لكبار الباحثين والمحققين؛ فقد رأيت كثيراً من كبار العلماء واللغويين وكثيراً من المثقفين زلت بهم القدم؛ لأنهم حققوا وأجادوا فيما ظهر لهم، لكنهم لما تركوا كتب الآثار تلك التي أشارت إلى المعاني المرادة.. لما تركوا ذلك كان عليهم نصيب موفور من قوة الملاحظة أنهم زلوا هنا.
3 - لا بد لأهل العلم واللغة والثقافة ومن يكتب في سياسة أصول المصطلحات اللفظية للوصول إلى المعاني الصحيحة عدم توكيل من يكتب له أو يحقق له أو يبحث عنه؛ فيجعل ذلك له وإنما له الاسم فقط.
وهذا وقع لي منه شيء كثير، نقل لي أن هذا قد حصل في بعض المواقع التي قد ألقيت اللوم على كثيرٍ منهم فيها حينما بحثت وتحققت من ذلك على ناهج من دليل سليم.
4 - لعل من حيل النفس أن العاطفة تدغدغ العقل وتحيط به من الجوانب كافة؛ لكي تعميه عن الصحيح وعن الصواب؛ فتكون العاطفة هي القائدة للعقل والمسيرة له، كمن اصطاد أسداً غضنفراً فساسه فهو ينقاد معه وينقاد إليه، والأسد أشبه ما يكون بالحمل الصغير، لا يبدي ولا يعيد.
وإذا كان العقل الحر الذي قيد لكي لا يعلم شيئاً وإنما العلم كله للعاطفة والقلب معاً؛ فإن ذلك يقود العالم والباحث إلى العجلة في الوصول إلى الحكم في التقرير والاستنتاج، كما يقود المثقف واللغوي والناقد إلى شيء رأيته كثيراً، وهو (التعالم).. وإذا كان الأمر كذلك فإن مثل هذا لا يقبل النقد أو التوجيه شروى نقير؛ ذلك أن العاطفة تلك التي احتالت على العقل وغلفته بالغش الذكي والإحاطة الذكية لا تقبل الإهانة، وإن كانت الإهانة هي الحق كل الحق في المسار الصحيح في سياسة اللغة والعلم على وجه مطلق.
وقد رأيت كثيراً من القوم اليوم هذه صفتهم، سواء في المؤتمرات أو الندوات أو الإشراف على الرسائل العليا أو المجامع العلمية أو اللغوية.. وهذا يدعوني إلى القول إنه لا بد من تحرير العقل من العاطفة وتحرير العقل من القلب بقوة النزاهة والوضوح، وهذا دون شك سوف يقود كثيرًا من العلماء واللغويين إلى التجديد النوعي دون شك.
وحسبك أن تقرأ للقرافي أو ابن قتيبة أو ابن حجر أو تقرأ لأبي حسن الأشعري أو تقرأ لسحنون أو تقرأ عن مثل ذلك للأصمعي أو خليفة ابن خياط أو يحيى بن سعيد القطان، أو تقرأ على سبيل المثال لطرح الترمذي في (العلل الكبرى) أو (الصغرى)، أو تقرأ للطبراني (المعجم الأوسط) الذي جمع فيه العقل والنقل مع سبق جيد، كانت العاطفة فيه وفي الكتب الأخرى التي ذكرتها متأخرة عن العقل شوطاً بعيداً، وكذلك كان القلب.
5 - وقد رأيت في بعض المؤتمرات والندوات العلمية التي شاركت فيها أو ترأستها أن مثل هذه الكتب وهذه الأسماء التي أوردتها الآن لم أقرأ شيئاً منها عند بسط البحث في تحرير مسائل اللغة والعلم وفقه المستجدات.
وهذا يدعوني إلى القول إنه لا بد من بناء العقول في الجامعات مثل مراحل الثانوية في أقرب قريب من وقت لا بد أن يكون أقرب ما يكون.
6 - لا بد في نظري تأصيل مسائل المعاجم ودلالة الأحكام من النص.. لا بد من ترك المجاملة مهما كان الأمر؛ وذلك أن المجاملة إذا دخلت في الطرح البحثي أيًّا كان فمعنى هذا أن العاطفة (أصبحت حرامية ذكية)، وأصبحت العاطفة مع القلب ينخران العقل المغيب. أقول: وهذه مشكلة.
7 - ولعلي أجعل هذا الجزء الثاني من هذا المعجم في هذا الملحق الثقافي المرموق.. لعلي أجعله هدية لكبار العلماء والمثقفين وأهل النقد والكتابة المُحكمة، سواء في صحيفة أو مجلة فيعودون إليه؛ فيأخذون منه ما ينفع مقتنعين به، ويدعون ما لم يدخل في البال، مع ضرورة مراجعة الثاني. والله المستعان.