تقديم المترجم: هنا دراسة مشتركة للبروفيسور يورام ميتال والباحث موشيه ألبو نشرت عام 2014، قسم دراسات الشرق الأوسط، جامعة بن غوريون في النقب. وستشكل هذه الدراسة أحد فصول كتاب مترجم بعنوان «الأزهر والسياسة» (تحت الإعداد) أخطط لصدوره في عام 2018 بحول الله:
وبعد شهرين فقط من وفاة محمود، حفزت جيهان السادات على تأسيس لجنة استشارية كُلِّفت بمساعدة البرلمان في صياغة ذلك القانون وتمريره. وتشكَّلت اللجنة من شخصيات دينية رفيعة مثل محمد عبد الرحمن بيصار، شيخ الأزهر الجديد، والمفتي ووزير الأوقاف ووزير العدل بجانب ممثلي منظمات حقوق المرأة المصرية. ومن الناحية العملية، جرى تجميع ذلك الفريق لتمهيد الطريق للتصديق على مشروع القانون وتجاوز العقبات الدينية-القضائية عبر دفعه من خلال مراحل التشريع المختلفة. ونفذت اللجنة حقاً مهمتها بعدما أدرج النظام والجماعات الليبرالية التعديلات المرغوب فيها على قانون الأحوال الشخصية في مشروع القانون النهائي الذي وصل إلى قاعة البرلمان للنقاش والتصويت. وأثار النقاش البرلماني قدراً كبيراً من العواطف. وانتقدت المعارضة الدينية والعلماء المسودة النهائية بعنف، وانتقدت كذلك أداء القيادة الأزهرية في جلسات اللجنة البرلمانية. أكثر من ذلك، أطلقوا على التعديلات لقباً ساخراً هو «قانون جيهان» وطالبوا البرلمان بمنعه.
ولكن صدر مرسوم رئاسي في 20 يونيو 1979 تخطى السلطة التشريعية وخصص ثلاثين مقعداً في البرلمان للنساء. وبعد أسبوعين، وعقب جلسة متوترة استمرت 4 ساعات في البرلمان، جرت أخيراً المصادقة على تعديلات قانون الأحوال الشخصية. (54) وفي حين انتهت ملحمة الخمس السنوات البرلمانية المؤلمة بتمرير الإصلاح، إلا أن هذا لم يتحقق إلا بفضل تدخل الرئيس السادات الشخصي وتحديداً بعد وفاة خصمه الأكثر قوة، الشيخ عبد الحليم محمود.
النتائج
شنَّ الشيخ عبد الحليم محمود، من منبر شيخ الأزهر، حرباً عنيدة ومتصلبة ضد ما عَدَّهُ تأثيرات علمانية غربية تنخر في النسيج الثقافي-الأخلاقي المصري. وبالرغم من القيود الواضحة على رئيس مؤسسة دينية تابعة للنظام، فإن الإمام الأكبر تمكَّن من دفع خططه وبرامجه الإسلامية عبر إصدار آراء مستقلة حول قضايا كان يَعتقد أنها تقع تحت إشراف الدين. كما تمكَّن من توسيع نطاق عمل الأزهر. وكجزء من الجهود الرامية إلى تعزيز رؤيته السياسية الإسلامية، قام محمود بالتعبير عن وجهات نظر مناهضة ومعادية لهيمنة الدولة وتلاعبها بالدين. وطوال فترة توليه منصب الإمام الأكبر، قدَّم نظرة روحية-قانونية متطورة للعالم بهدف تعزيز مكانة المؤسسة الدينية واستقلاليتها، وناصر تحول مصر إلى دولة إسلامية مثالية. وبالاعتماد على تحليلنا للمعركة التي شنَّها محمود ضد مبادرة تحرير (لبرلة) قانون الأحوال الشخصية، يمكن الجدل بأن النظام نجح في نهاية المطاف في تنفيذ الإصلاح الليبرالي للقانون؛ ولكن هذا الاستنتاج يبدو تبسيطياً أكثر من اللازم. فالنتيجة النهائية ليست دائماً المعيار الرئيس للحكم على حدث تاريخي معقد. وبمن ثمَّ، فمن المهم التأكيد أن الشيخ محموداً نجح في منع أو تعطيل إصلاح الرئيس السادات حتى وفاته. وخلال نضال الخمس السنوات حول ذلك القانون، أثبتت المؤسسة الدينية قدرتها على التأثير على البرلمان ووسائل الإعلام؛ حتى عندما وجدت نفسها مصطفة ضد النخبة السياسية. وبالرغم من أن السادات أجبر، في نهاية المطاف، النظام السياسي على اتباع خطه؛ فإن ذلك الإصلاح أُلغي في عام 1985 ونُقح القانون ليصبح وفقاً لرؤية عبد الحليم محمود بعد عقد من الزمن. (55)
ولم يكن الصراع على قانون الأحوال الشخصية ظاهرياً سوى حدث بسيط في عقد مضطرب؛ ولكنه يشهد على حدود القوة المهيمنة. فقد أُجبرت النخبة الحاكمة على الاعتماد على الأزهر للحصول على الدعم والشرعية. وفي هذا السياق، تمكنت المؤسسة الدينية من تحدي سياسة النظام. كما تمكنت، أحياناً، من تعزيز برنامج مخالف لمصالح النخبة السياسية. وطوال فترة توليه منصب شيخ الأزهر، نشر محمود مقالات في الصحف والمجلات، وكتب خطابات عامة، وأصدر فتاوى تنتقد علناً سياسات الحكومة الاجتماعية والثقافية، وطالب بتطبيق كامل للشريعة. أكثر من ذلك، انتقد محمود أجزاء من سياسة «الانفتاح» الساداتية التي تعدُّ لبَّ عصر السادات. وهاجم محمود، تحديداً، كون سياسة «الانفتاح» تقوم على التعاون الاقتصادي مع أوروبا وأمريكا الشمالية؛ وهو ما يسمح بتسلل قيم الثقافة الغربية وسلوكياتها ومنتجاتها بشكل هائل إلى مصر. وبذلك، تحدى الإمام الأكبر سلطة النظام المهيمنة من داخل المؤسسة. وبعكس جماعة الإخوان المسلمين وجماعات العنف المتطرفة، لم يقوّض الأزهر شرعية الدولة، ولم يسع إلى الحصول على سلطة سياسية خلال فترة محمود في منصبه. وبدلاً من ذلك، طالب بالاعتراف به ك راعٍ للدين الإسلامي في مصر. وفي هذا الصدد، سعى الشيخ إلى توسيع نفوذ الأزهر والإسراع في عملية الأسلمة على مستوى الدولة؛ من خلال تأسيس علاقات مع قطاعات جديدة من المجتمع المصري.
انتهت الدراسة
... ... ...
نعتذر عن نشر الهوامش نظراً لضيق المساحة
حمد العيسى - الدار البيضاء
hamad.aleisa@gmail.com