من القضايا المهمة المتعلقة بمفهوم بناء النص الإبداعي اختيارُ عنوانه؛ ليوحي بمضمونه، وليكون مفتاحاً من مفاتيح مغاليقه، مما يحمِّل العنوان الدقة العالية في اختياره، ومن هنا جاء اهتمام النقاد بالعنوان ودلالاته.
العنوان في الحقيقة» مرآة مصغرة لكل ذلك النسيج النصي»، ويمثل أنموذج الاقتصاد اللغوي المكثف : مبنى ومعنى.
ولأهمية العنوان يجتهد كثير من الشعراء والمؤلفين لاختيار العنوان المناسب لنصوصهم، ويؤكد بعض الشعراء أنه يجد صعوبة بالغة في العثور على عناوين ملائمة لمجموعاتهم الشعرية، وأنَّ بعض المجموعات تستغرق شهورًا عدة للوصول إلى العنوان المناسب.
ولأهمية العنوان في الدرس النقدي الحديث ذهب بعض الباحثين إلى القول بأنَّ شعرية العنوان بدت موازية لشعرية النص؛ لقيامه بدور فاعل في تجسيد شعرية النص وتكثيفها، أو الإحالة إليها.
وفي الدراسات الحديثة يعد العنوان من أهم عناصر النص الموازي؛ لعلاقته الوطيدة بالنص الأصلي، ولأنَّه أول عتبات النص، ويمثل الانطباع الأول للمتلقي عن النص ومنتجه، حتى أصبح العنوان «مرجعًا بداخله العلامة والرمز وتكثيف المعنى، بحيث يحاول المؤلف أن يبث فيه قصده برمته، أي : أنه النواة المتحركة التي يخيط المؤلف عليها نسيج النص».
وهذه الرؤية تبرز قيمة العنوان في النصوص الإبداعية خلاف الرؤية الأخرى التي ترى العنوان هامشًا لا قيمة له، واستمر عناية النقاد المعاصرين بالعنوان حتى أصبح علمًا مستقلًا ( علم العنوان ) أو ( علم العنونة )، وقد ساهم في صياغته وتأسيسه باحثون غربيون معاصرون، منهم : جيرار جينيت، وليو هوك، وغولدمان، وغيرهم.
ويؤكد مجموعة من الباحثين أنَّ دراسة العتبات لجيرار جينيت أهم دراسة علمية ممنهجة في مقاربة العتبات بصفة عامة، والعنوان بصفة خاصة. ويبقى ليو هوك المؤسس الفعلي لعلم العنوان؛ لأنَّه قام بدراسة العنونة من منظور مفتوح يستند إلى العمق المنهجي؛
« فقد رصد العنونة من خلال التركيز على بنائها ودلالاتها ووظائفها من خلال كتابه الموسوم بـ ( سمة العنوان ) الذي حدد فيه الجهاز المفاهيمي للعنوان ومعالمه التحليلية».
والعنوان في النص الشعري الحديث يتفاوت في الدلالة والفاعلية؛ فثمة تفاوت بينها عائد إلى قدرة المبدع على اختيار عنوان نصه؛ فبعضها يقتصر على الإشارة إلى موضوع النص، وبعض العناوين تشكل نواةً أساسية في تأويل النص، والكشف عن أغواره. والاسم للكائن كالعنوان للنص؛ لكونه يوصف به، ويعرف فيه، وحول هذه المقاربة بين العنوان والاسم يقول د.محمد فكري : « العنوان للكتاب كالاسم للشيء، به يعرف، وبفضله يتداول، يشار به إليه، ويدل به عليه، ويحمل وسم كتابه، وفي الوقت نفسه يسمه».
- بدر بن طاهر العنزي