القراءة تعبر بنا حدود الأزمنة، وجسور الظل والتاريخ، تتشكل في أشكال حيوات متعددة، في زمن يموت فيه الإنسان أكثر من ميتة واحدة، وما أحوج العابرين للقراءة بدل الاستقراء، والإدراك قبل محاولات الاستدراك التي تفضي غالباً إلى نهاية فاشلة، وحياة مؤقتة بائسة، وشكل من أشكال الحياة المشوهة جداً. ولمن لا يعرف؛ فإن الزمان يتحجر، والدوران يتوقف، والتاريخ يسقط كأوراق الأشجار التي تسقط في حالات خاصة، خارج الفصل المناسب للسقوط، وليس أسوأ من أن يعيش الإنسان في وقت داهمه الذبول، ويناوئ الموت ساعته الحائطية المعلقة منذ عقود، والتي تدق عقاربها بتراتبية وابتذال، حتى كأنها لم تعد تحسب الوقت، بينما مازال هو واقفاً بذات الطموح، وفكرته التي ظل يلعق دهشتها لسنوات خلت، قد صارت في سلة مهملات الأفكار غير المجدية على الإطلاق! وأيضاً لمن لا يعرف؛ فإن ورقة التقويم التي ظل يقطفها دون أن يستقرأ ما ورائها من (عداد) خفي، ودون أن يقرأ ما كُتب فيها من حكم، ستظل تنقص وتهبط به إلى هاوية العدم، حتى وإن أكلتها الأرضة، وحتى لو قرر ألا يدخل التقويم التاريخي مكاناً يجلس به، بل حتى إن تجاهل النظر إليها! على الصعيد العملي، لا يمكن لإنسان ما أن يعبر ويتنفس في أزمنة متعددة سبقت عمره الواقع بين أقواس التاريخ لميلاده وموته، لكن مخيلة الإنسان يمكنها أن تعبر به إلى ما هو خارج الأقواس، وإلى أزمنة أبعد من تأريخه القدر لميلاده وموته، والدليل على هذا أن هناك من استطاعوا أن قراءة المستقبل، وتوقع ما يكون، من نهضة أو نكوص، وليس في ذلك دجل أو شعوذة أدعى بها الإنسان علمه بمفاتح الغيب، ولا شأن للعبقرية في الأمر برمته، كل ما هناك أن هناك قارئ نهم، جعل القراءة تدخل ضمن حيز وجوده، لتنقله إلى ما كان يظنه بالنسبة لعمره الكائن والحالي (مجرد عدم). وليس أصدق من قول العقاد حين سألوه لماذا تقرأ فأجاب:
لأن حياة واحدة لا تكفيني!
- عادل بن مبارك الدوسري
aaa-am26@hotmail.com
AaaAm26 @