مع انحسار الصحوة، تكشفت للأجيال مدى كارثية تلك المرحلة وتخلفها، وكيف استطاعت شيطنة كل جديد، وعزلنا عن العالم، وإقصاء الآخر والبراءة منه، وخاضت معاركها بمقولة هذا حكم الله، وذاك حكم الشيطان.
وفي الغالب أن معاركها الفكرية منذ أكثر من قرنين سطحية، وساذجة تبتدئ بمن أنت.؟ ومن هم شيوخك.؟ وأي قناة تشاهد.؟ وما رأيك بأفكار الشيخ الفلاني، والكاتب الفلاني.!؟، هذه الأسئلة ليست على صعيد الأفراد فقط بل تتوسع الدائرة في بعض الأحيان إلى المقابلات الوظيفية، أو مقابلات الالتحاق بالدراسات العليا، أو الخطوبة.!!
فهذه الأسئلة السخيفة كفيلة بتصنيفك، أو شيطنتك، فإن وافق هواك هواهم أصبحت عضواً في (الشلة)، وإن تعارض هواك مع هواهم فعليك السلام.
كيف نتعارك ونحن لم نفهم بعد معنى المواطنة ومفهومها، ولم نتعلم كيف نختلف مع الآخر، فهذا يخون ذاك، وذاك يزايد على هذا، والنتيجة صراعات فاشية، وتمركز حول المصالح المادية، وكل (شلة) تبني حصونها بيد أبنائها المنتمين والمنتشرين في المؤسسات والساحات الإعلامية.
الغريب أن معارك الصحوة تطاحن الجميع عليها الواعظ والعالم والمثقف وغير المثقف، الصغير والكبير، حتى أصبحت ثقافة شعبية تشرب الجميع منها، وخلفت لنا معارك سطحية لا تثري أفكارنا ،وهمومنا، وتطلعاتنا، بل جمدت عقولنا وقوقعتنا على مواضيع تمثل رمزية الصراع (اللحية- تقصير الثوب- قيادة المرأة للسيارة – الموسيقى – السينما- الاختلاط- تغطية المرأة لوجهها)، ونحن الخاسر الأكبر فيها، وفاتورة صراع الحداثة والصحوة نحن وأجيالنا من سيدفعها.
لماذا ساحتنا الثقافية تتصارع بعيداً عن النقد، والمكاشفة بهذا المستوى المتخلف، ولماذا نتعلم كيف نصطف مع هذا التيار، أو ذاك، ولم نتعلم كيف نختلف مع الآخر؟
ولماذا لم يفكر الصحويون بمشكلاتنا وقضايانا بتفكير الناقد.!؟، ولماذا الصحوة لا تقبل الآخر، وتشيطن الآخر ثم تقضي عليه، أين هي من مجتمعات يعيش فيها عشرات الأعراق والطوائف والتيارات والألوان واللغات.!؟
وماذا استفدنا من معارك الصحوة السطحية والشخصية والتي استمرت قرونا وأوقعتنا بمشكلات اقتصادية، وسياسية، واجتماعية، ونفسية.
آن الأوان للشباب الواعي والمثقف أن يتجاوز هذه المرحلة بشوائبها، وأن ينقدوها بعيداً عن كل مداهنة، وأن يبتعدوا عن ترميز بعض القضايا الهامشية والتمحور حولها، وأننا في وطن فيه تعددية فكرية ووحدة سياسية، وليعلم الشباب الواعي والمثقف أن هذه المرحلة هي مرحلتهم وهم من سيقودها.
- عبدالله النغيثر