نحو الجنوب ،رواية لطاهر الزهراني، صافحني بها الدكتور أحمد الهيزعي في أول بواكير معرفتي به،وكان إهداؤه مشروطا برد التحية بأحسن منها، إما برواية شبيهة أو كتاب، أو أي شيء يروي شغفه والذي يعكس تعاطيه الأدب سجية وأسلوب حياة.
استفزني العنوان كونه يشير ببوصلته إلى مراتع صباي وتكويني الطفولي وشيء من المعرفي ،كان البعد السيميائي المتمثل في الغلاف وصورته الفريدة وأسلوب أخذها يجعل القارئ يتشوق لاقتحامها قراءة وتفاصيل حياة. الصورة كانت خير عتبة يدلف من خلالها القارئ إلى زهران فتى الجنوب وبطل القصة .
الزهراني طاهر استطاع توظيف ثقافته القروية ،ليشكل من خلالها مشاهد تجسد حياة القروي في ذلك الجزء العزيز من بلادنا ،حتى اللهجة الموغلة في ذلك الجزء من الأرض وتاريخها ،طوعه الزهراني ليكون وسيلة التعبير التي استخدمها شخوص تلك الرواية ،وقد استطاع رسمها بطريقة كتابية مفصلة تجعل القارئ ينطقها كأهلها الذين مازالت تعكس هويتهم وهوية تلك الأرض الجميلة . مشاهد تلك الرواية كانت عفوية سريعة تشبه السناب شات ،فأنت تشاهد ومضات لحيوات أناس ،على سجيتهم ،يمارسون طقوسهم اليومية مع الأرض والحجر والشجر .
الرواية بشكل عام تمثل سيرة ذاتية لزهران ذلك الشاب الذي أثقلته المدينة (جدة) بزحامها وضجيجها ورتابتها ،انعكس ذلك سلبا على بطلنا الذي ظل يراوح في المرحلة الثانوية مكانه ،مما جعله مشروع عاطل بطال ،يسهر الليل وينام النهار .
هذا التوصيف الجميل والذي وفق فيه الكاتب ليسوغ السبب الذي من أجله قرر والد زهران إعادة ترميم ابنه في الديرة (الجنوب)،كان هذا السبب منطقيا يعرفه الجنوبيون تمام المعرفة وخصوصا الآباء الذين مازالوا يرون في المدن خطرا على الأبناء ينبغي درأه بإعادة بعثهم من جديد في قراهم البعيدة . زهران يسافر إلى الجنوب وهناك يعيد جده وقبلها الأرض إنتاجه ليصبح الفتى الكامل وفق أعراف القبيلة ودستورها . مشاهد درامية وظف فيها طاهر الزهراني خياله الخصب وقبلها لغته المرنة ليصور لنا زهران ابن الجنوب في كل ملمح من ملامح سيرته المثيرة . التسلسل البنائي للرواية أحداثا وشخوصا كان منطقيا ومتصورا من قبل القارئ إلا في مواضع بسيطة . أما فتاة زهران العربية فقد كان حضورها من -وجهة نظري- عبئا على الرواية -كضيفة شرف -وكانت لوحة مختلفة عما جرى بعدها من أحداث ،وكأنها كانت زيادة على النص لأنها ظهرت فجأت ثم غابت خلف تلك الستارة !، وفي حضورها الأخير كانت مجرد لحظة عابرة أُثقل بها كاهل المتن وشتت القارئ الذي كان ينتظر من المؤلف اتجاها رومانسيا ،كسره فجأة إلى وجهة ألذ وأجمل . ومع ذلك تظل (نحو الجنوب) من أمتع الصور القصصية التي صورت لنا حياة الجنوب وظروف تكوين النشأة لأجيال ارتبطت بالأرض فرحا وترحا ،وشكلت من هذا الترابط قصصا جسدت واقعا إنسانيا فريدا صاغته الأرض ووثقه إنسانها . الجنوبي حالة إنسانية فريدة من التصالح مع الذات والأرض والسماء ،ونحو الجنوب وقبلها الحزام كشفتا الستار عن هذه الحالة ووثقتهما حكاية وعاطفة وولاء
- علي المطوع