(1)
كثيراً ما نسمع في عرض النصائح المجانية التي تقدم لنا ونحن نراجع مستشفيات خاصة؛ أن علينا أن نراجع المستشفيات الحكومية؛ لأنها أكثر أمانة في التشخيص.
وعندما نطبق تلك النصائح, نكتشف أن علينا أن نتسلح بأطنان لا حصر لها من الصبر, وابتلاع الخيبات دون تحسس كرامتنا.
في هذا المقال سأحكي بعض الخيبات التي لم أسمع عنها؛ بل حدثت لي وأمامي, وأتمنى من وزارة الصحة أن تحضر معنا هذه المشاهد الدرامية التي لا تكفيها خمسمائة حرف, تعزفها قيثارتي كل يوم سبت, مما سيضطرني لكتابتها في سلسلة, حتى ينفض الوجع, وينتهي بتحميل الأمانة للمسؤول.
في عيادة بأحد المستشفيات الحكومية, تحضر جميع المريضات قبل الموعد في انتظار موظفة الاستقبال الحانقة دائمًا وأبدًا، التي اتخذت من الزمجرة الصباحية سياسة؛ عرض عضلات وتحسس منصب.
المريضات متواجدات من قبل الموعد, ومعظمهن إما أميات أو كبيرات في السن.
حضرت الموظفة بعد مضي وقت الدوام الرسمي, تحمل طبقًا -أظنه حلا- و(ترمس) قهوة.
دخلت في غرفة صغيرة, مكثت فيها ما شاء الله لها أن تمكث؛ حتى ترتدي قناعًا من المكياج, والمريضات يحوقلن, ويذكرن الله, ويتحدثن لبعضهن عن ظروف المجيء الصعبة.
في تلك الأثناء خرجت نجمة الاستقبال غاضبة من العدد الكبير الذي ينتظرها, وقد علق آماله عليها؛ رمقتهن شزرًا, وأخذت تتمتم بوجه عابس (واضح أن التمتمة كانت شتيمة).
تقدمت إحدى كبيرات السن, وهي تدبج كلماتها بنبرة خضوع, طعمتها ببعض الدعوات, فرن هاتف نجمة الاستقبال, وأشارت بيدها أن توقفن عن مد الأوراق, وما هي إلا لحظات حتى شتمت من على الخط, وأبيه بشتائم مروعة, نشرت من خلالها غسيل أسرتها, وتاريخه الطويل, فعرفنا مكرهات أن زوجها قد أخذ قرضًا باسمها, وورطها به, وأن سيارة ابنها الذي كان معها على الخط, قد تعطلت, ويريد إصلاحها على حساب والدته الغاضبة أمامنا.
طبعا نجحت في كسب تعاطفنا جميعاً بلا استثناء, خاصة الكبيرات, فحاولت إحداهن -بعد المكالمة- أن تستعير نبرة خاشعة, مجللة بالدعوات, لتواسيها أثناء مدها للورقة, كسياسة للحصول على حقها؛ فما كان من تلك الغاضبة إلا أن رمت بالورقة في وجه تلك المسنة غير عابئة بفارق السن, وما يستوجبه من احترام, وهي ترغي, وتزبد, وتهدد بأنها ستجعلها آخر واحدة!!
تناثر الجمع على الكراسي, وهن يتمتمن (فكونا منها لين تهدأ وإلا بتتركم للظهر)
هنا حضر الوطن!
يا رباه!
أليس هذا حقهن؟ هو مستشفى الدولة, وكلهن مواطنات, وهذه الموظفة ما جيء بها إلا لتيسير أمورهن, فكيف انقلب المشهد؟!
توجهت لها, وهي تجري مكالمة ثانية -أظنها كانت ستباغت زوجها بدش صباحي من الشتائم ربما تجعلنا محشورات في ذلك الممر الضيق حتى الظهر- فسألتها بنبرة هادئة: إذا تكرمت ألا يوجد موظفات استقبال أخر؟ فنظرت إلي شزرًا, وأذنها على الهاتف, ثم أغلقت الخط, وهي تطلق شتيمتها على اليوم الذي تزوجت فيه ذلك المعتوه؛ فعرفت بلا أدنى تفكير أنه زوجها.
استجمعت هدوئي الذي شوشته بشتائمها, وأعدت السؤال الذي تجاهلته: فأجابت (ما مليت عينك؟!)
فأخبرتها بأنني لم آت لخطبتها لتملأ عيني! أنا أسأل؛ لأن الجميع تعطل بسبب ظروفها الاجتماعية التي نشرت غسيلها أمامنا؛ هنا جنّ جنونها, وأقسمت بأيمان مغلظة؛ أن تلقنني درسًا, فأخبرتها بأن: (من أمن العقوبة أساء الأدب) وأنه من حق هؤلاء المواطنات أن تقدم لهن الخدمة بكرامة, ثم توجهت لقسم الإدارة, وأحضرت المديرة التي حاولت احتواء الموقف بإدخال الموظفة في غرفة حتى تهدأ, وسيدتنا تلك ترغي, وتزبد وتتوعدني؛ لأنني عرفت باب المسؤول, وانتهى المشهد بترداد عبارتها الأخيرة:
أنا تشتكيني؟!
(أوريتس)!!
(ما يستفاد من الحادثة: لموظفات الاستقبال: السر بين أكثر من اثنين يشيع).
- د. زكية بنت محمد العتيبي