إن ما تنفقه إسرائيل لوحدها على البحث العلمي يقارب ما تنفقه الدول العربية مجتمعة ولعل هذه الحقيقة هي من أهم أسباب التفوق الإسرائيلي على عالمنا العربي تقنيا! بل إن تقارير اليونسكو للعلوم التي تصدر كل خمسة أعوام بشكل دوري لتعري الحقيقة أمام العالم أجمع، فتقريرها لعام 2015م الدوري أوضح أن كل مليون نسمة يقابلهم 417 عالماً في الدول العربية، يقابله 8377 عالم في إسرائيل وأضاف التقرير أن نسبة العلماء العرب للعدد الكلي لعلماء العالم لايمثل إلا 1.9% وإذا أخذنا بالاعتبار أن الأمم تقاس بمدى تقدمها بالبحث العلمي الجاد ومقدار ما تنشره من أبحاث علمية محكمة وعدد علمائها لأظهرت لنا هذه الأرقام المأساة التي يعيشها مجتمعنا العربي. إلا أن الصورة القاتمة في هذه المقدمة تتلاشى ويشرق النور إذا علمنا أن الجهد تفوق على العدد فحوالي 300 عالم وفني في مركز الأبحاث في مستشفى الملك فيصل التخصصي استطاعوا أن يرفعوا راية بلادهم في ميادين البحث والمبادرات العلمية والإنجاز والنشر العلمي العائد بالفائدة على مواطني هذا البلد، ليس على المستوى المحلي أو الإقليمي بل إنهم رفعوا المعايير و قارنوا أنفسهم بأعلى المراكز البحثية، وأصبحوا فنار علم يرشد المجتمع العلمي كافة لتحقيق الإنجازات وينشر الإشعاع لينجلي الظلام بنوره منذ أن انطلقت المسيرة مع وضع حجر الأساس لهذا الصرح. هؤلاء العلماء كونوا كتائب علمية قسموها إلى فرق لتخوض تحدي المعرفة في مختلف المجالات وشتى المعارف و إن اختلفت العلوم إلا أن الهدف واحد، ألا وهو الوصول إلى بيئة علمية على أعلى المعايير العالمية، تساهم بصفة مستمرة في تطوير الممارسات السريرية الطبية المستقبلية. تشمل أولويات المركز؛ أبحاث السرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية، والسكري، والصحة البيئية، والأمراض المعدية، والعلاج بالخلايا الجذعية، و أبحاث الوراثة، وغيرها مما يجعل المركز في الصدارة في العالم بمجال أبحاث الأمراض النادرة والمستعصية، كما لم يتجاهل دوره من حيث التوأمة مع صرح طبي كبير بل شارك بشكل فعال في تطوير القدرات التشخيصية والعلاجية في مستشفى الملك فيصل التخصصي، وذلك في مجالات عديدة تشمل الطب النووي، الطب الإشعاعي، وعلم الوراثة الجزيئية وغيرها من أنشطة التشخيص المختبرية المتقدمة.
إن تلك النجاحات لم تأت من فراغ بل تجلى ذلك في الدعم لهؤلاء العلماء من خلال تزويدهم بالتقنيات المتطورة التي غالباً ما تتفوق على تلك التقنيات الموجودة في العديد من المراكز المشهورة في جميع أنحاء العالم، هذا المزيج الرائع من توافر الخبراء مع التقنيات المتطورة، أدى إلى فرصة مثالية لإجراء أبحاث العلوم الطبية والحياتية في مجالات أوسع وفتح آفاق جديدة مع تطور العلوم و مواكبة خطوات العلم المتسارعة. تكامل تعزز بالتعاون و التبادل المستمر للخبرات مع مجموعة من أفضل المعاهد على المستوى الوطني والإقليمي والدولي، وبفضل هذه الخبرات المتراكمة، تمكن مركز الأبحاث من نشر ما يربو على 300 بحث علمي سنوي، ليتصدر بذلك المركز الأول على المستوى الوطني والإقليمي، ويتجاوز أيضًا المتوسط العالمي من حيث التأثير كما يتجلى ذلك من خلال اتخاذ جهود وأعمال كثير من علمائنا كمرجع يستدل به في أبحاث ودراسات عالمية. في أمسية ثقافية في أحدية الدكتور راشد المبارك علق الدكتور محمد القنيبط في سياق محاضرته أن من أهم نجاحات وطننا الغالي هو منجزين هامين الأول الهيئة الملكية للجبيل وينبع والثاني مستشفى الملك فيصل ومركز الأبحاث، إن هذه الشهادات الخجولة هنا و هناك تحتاج أن تبرز للمجتمع, لنحتفل بإنجازاتنا الكبرى, كما نضع هفواتنا تحت المجهر و نتباكى عليها فما حققه هذا المركز العلمي العالمي في نزر يسير من السنين بإمكانياته المحدودة لقادر على أن يتجاوز العقبات العلمية خاصة مع الرؤية المضيئة, فالحركة العلمية السعودية تعد بمستقبل زاهر كما يتجلى في سطور رؤية 2030. أتمنى أن يزدهر مشروع البحث العلمي في المملكة العربية السعودية بعد أن أسس مركز الأبحاث الأساس المتين ولا يقتصر على الأبحاث الطبية رغم أهميتها فالمجال واسع لنعيد التجربة في مجالات متعددة بنفس المعادلة السابقة «حكومة داعمة وإدارة واعية وعلماء نهلوا العلم من شتى بقاع العالم» لننبذ المقولة المتداولة أن زامر الحي لا يطرب, فمركز أبحاث مستشفى الملك فيصل قاد مسيرة البحث العلمي بقدره واقتدار وحقق الإنجاز تلو الإنجاز.
- د. الوليد عبدالله العيدان