سلمان بن محمد العُمري
كتبت في هذه الزاوية وكتب غيري من التحذير من بعض الرسائل التي يذيلها أصحابها بعبارة "انشر تؤجر"، وهذه الرسائل قد تكون مليئة بأحاديث ضعيفة وأحاديث مكذوبة على حبيبنا ونبينا محمد - صلى الله عليه وسلَّم - أو قد تكون من الاجتهادات للبعض ممن يظن أنه وصل مرتبة العلم والدعوة فيفتي في مسألة تورع الصحابة - رضوان الله عليهم - في الإفتاء بشأنها أو تجده جمع كلاماً على طريقة (القص واللصق)، ثم جعلها من مقوله، ولم يشر إلى أنها منقولة، وربما خلط الحابل بالنابل وساق من الأدلة في غير موضعها ومن الأحكام ما ليس له علاقة بالموضوع الأساس.
ونحن بلا شك تغلب علينا العاطفة والحماس وطلب الأجر مما يبعث فينا الرغبة في أن تعم الفائدة ونغتنم الأجر ونشارك هذا المجتهد في إعادة إرساله ما أرسله إلينا، وهكذا كل من يتلقى الرسالة ما إن يرى "انشر تؤجر" أو الدعاء "لمن أرسل هذه الرسالة أن يحفظه وذريته ويغفر له ولوالديه... إلخ" حتى يرسلها لمن معه في الهاتف أفراداً أو جماعات بلا تردد ودون تثبت في صحة المعلومات الواردة.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم - : "كفي بالمرء إثماً أن يحدِّث بكل ما سمع" رواه مسلم.
إن التقنية الحديثة واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي عبر الرسائل والتغريدات والمدونات وغيرها أسهمت في انتشار أحاديث مكذوبة وروجت لبدع ومخالفات ما أنزل بها من سلطان، وتهاون الناس في النشر ابتغاء الأجر وما علموا أنهم ربما نالهم من الوزر في نشر هذه الأحاديث. فعن المغيرة بن شعبه - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم - يقول: "إن كذباً علي ليس ككذب على غيري، فمن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار" متفق عليه، وعن سلمه بن الأكوع - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم - يقول: من يقل علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار" رواه البخاري.
وقد خشي الصحابة والتابعين - رضوان الله عليهم - من ذلك، فعن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال: قلت للزبير: ما يمنعك أن تحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم - كما يحدث عنه أصحابه فقال: "أما والله لقد كان لي منه وجه ومنزلة، ولكني سمعته يقول: من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار". سنن أبو داود.
ومع التوسع في المراسلات ونشر الأحاديث صحيحها وضعيفها اجتهاداً من البعض فالواجب الحذر والتثبت، وأصبح الآن - ولله الحمد - هناك مراجع علمية إلكترونية موثوقة تعطيك درجة الحديث من الصحة، وتلك المواقع يشرف عليها نخبة من العلماء والمختصين وطلبة العلم الشرعي ولا عذر لأحد بعد اليوم، وبقدر حرصناعلى ابتغاء الأجر فليكن حرصنا عن ارتكاب الوزر بألا ننشر حديثاً منسوباً لرسول الله - صلى الله عليه وسلَّم - إلا وقد تثبتنا، ولا تنشر مادة علمية خصوصاً الفتاوى إلا وتعلم مصدرها، والتأكد ممن نسبت إليه.. نسأل الله العفو والعافية في ديننا ودنيانا.