ميسون أبو بكر
استوقفني الرجل الغجري الذي يبيع الورد والياسمين والذي اقترب من طاولتي في المقهى الباريسي في الحي اللاتيني يقدم طوق ياسمين من ضمن عشرات يحملها؛ تذكرت قصيدة غرناطة للمبدع نزار قباني حين قابل الإسبانية التي ذكرته بأجداده في الأندلس والتي حملت ملامح عربية عادت به لذكريات الأندلس وأمجادها، الرجل الذي اقتنص السواح العرب تحديدًا لأنه يدرك ارتباطهم النفسي والعاطفي بحدائق الياسمين.
طوق الياسمين أعادني للياسمين الدمشقي الذي يتسلق الجدران فيكسوها خضرة وجمالا، والفل الجازاني والعسيري والورد الطائفي الذي يعتبر كنزاً من كنوز ديارنا وسمة للمناطق التي تهديه زائريها وتطوقهم بعطر حدائقها وأرواح ساكنيها.
طوق الياسمين أعادني لطوق واسيني الأعرج في روايته الشهيرة التي قدمها الناشر «وها هو واسيني الأعرج بلغة صوفية مستمدة من عالم الأحلام ينفض الغبار عن عالم مختفٍ منسي، يقلب صفحات طوق الياسمين باحثاً عن أجوبة لأسئلة طالما شغلت الإنسان من الأزل مقتفياً أثر الحقيقة عله يمسك بها، مجتازاً بوابات العبور، ممتطياً الريح أو البحر إلى حيث يستطيع المرء أن يموت بدون خوف».
كما يتجلى طوق الياسمين في إحدى روائع الشاعر الدمشقي نزار قباني الذي لطالما تغنى بمكونات البيئة الدمشقية التي أبرزها الياسمين.
طوق الياسمين الذي أتى به الغجري إلى المقهى الباريسي الذي يفترش الرصيف كعادة مقاهي باريس المتناثرة على الأرصفة حرك أشجانا عديدة كتلك التي حركت عواطف نزار قباني حين التقى الفتاة الإسبانية، وودت أن أقول للرجل إن الياسمين من تراث بيئتنا العربية والشعرية والأدبية وهو ما نهديه أحبتنا وزوارنا.
طوق الياسمين الذي جففته ووضعته في علبة فضية تكريمًا للياسمين كان يليق بباريس أن يعطر أجواءها ويطوق عاشقيها وزوارها ويعبق في مقاهيها المفعمة بالحياة والفن وأنفاس المدينة.
باريس التي يترصد بها الإرهاب بين وقت وآخر وبقية المدن الغافية على المتوسط (متوسطتا أيضا المطل على أشهر المدن والعواصم العربية) حيث عثر على مخططين لأعمال إرهابية في مارسيليا في الجنوب الفرنسي يجعلني أتساءل عن الإرهاب الذي تواجهه فرنسا وعن إعادة النظر في بعض القوانين التي يستغلها بعض المجرمين التي تحميهم أحيانا، فالبعض له سوابق وبعض الثغرات والتساهل في القانون الفرنسي قد يستغله في النجاة من عدد من الجرائم التي تبدو صغيرة في بدايتها.
حادث الاعتداء البسيط الذي تعرضت له ذكرني بعدد من المبتعثين السعوديين في الخارج الذين فقدوا حياتهم نتيجة ميول المعتدي الإرهابية وصعوبة اتخاذ إجراءات قانونية حاسمة ضد المجرم، وتذكرت من نجا منهم بفضل الله ورحمته وصعوبة الموقف الذي تعرض له ولا أعتقد أنه من الممكن أن ينمحي من ذاكرته للأبد.
كان طوق الياسمين كافيا ليكون بطاقة محبة من باريس العريقة، باريس التي تستحق السلام والتي تمتلئ بزائريها من كل صوب وجنس لتشكل هذه المدينة وبقية المدن الفرنسية الأخرى فسيفساء جميلة مشعة بالحياة.
من أول البحر لـ نزار قباني
شكرا لطوق الياسمين
وضحكت لي... وظننت أنك تعرفين
معنى سوار الياسمين
يأتي به رجل إليك
ظننت أنك تدركين