زكية إبراهيم الحجي
ماذا لو كان التعليم النظامي ممتعاً وعملياً وله صلة بنواحي الحياة خارج المدرسة.. ماذا لو كان التعليم تعلُّماً يتعلق بالمعرفة والعمل والحوار مع الآخرين.. ماذا لو استفاد كل شخص من التعليم لتعزيز التنمية البنّاءة السليمة بيئياً والمنصفة اجتماعياً.. والمشجعة على ترسيخ الثقافة بمختلف أنواعها.. ماذا لو هيأت نظم التعليم الدارسين وذلك للانضمام إلى صفوف القوى العاملة للمشاركة في مجالات تنمية الوطن.. أخيراً ماذا لو استفاد كل شخص من جميع الفرص المتاحة للتعلُّم.. فالتعلُّم يستمر مدى الحياة من المهد إلى اللحد.. بينما التعليم محدود بمكان معيّن وزمن محدد.
التعليم ركيزة نهضة الأمم.. فالدول المتقدمة صبت جل اهتمامها بالتنمية البشرية، التي عمادها إصلاح وتطوير نظام التعليم والتدريب وخططه ومناهجه، وذلك انطلاقاً من مبدأ أن الإنسان هو هدف ومحور التنمية والفاعل والمستفيد الأول منها.. والمتتبع لأثر التعليم في عملية التنمية الشاملة والتغيير الاجتماعي في أي دولة من الدول المتقدمة كاليابان وسنغافورة وغيرها، يتبيّن مدى الدعم الذي يحظى به قطاع التعليم في تلك الدول، إيماناً منهم بأنه ثروة وقيمة ثقافية ومعرفية هذا من ناحية، وركيزة لدفع عجلة التنمية والتقدم من ناحية أخرى، إلى جانب أنه وسيلة للحراك والتغيير الاجتماعي والتميز والتفوق ومواجهة تحديات العصر والعولمة.
ثمة إجماع بين واضعي السياسات التعليمية في مختلف أنحاء العالم، بأن التعليم هو أحد الاستثمارات الأكثر إنتاجية التي يمكن للدول من خلالها تمكين الأفراد والمجتمعات وتحقيق الأمن والازدهار الدائمين.. بيْد أن بعض التغيرات التي حدثت في الآونة الأخيرة سببت بعض العراقيل وأثارت تساؤلات ملحة حول المهارات والكفاءات والمعارف المطلوبة لجني ثمار التعليم في عالم اليوم والغد، خاصة فيما يتعلق بكفاءة الاتصالات وسرعتها وسهولة التواصل، وما صاحب ذلك من تغيير اجتماعي واقتصادي أثر في أسلوب ترابط الأفراد والجماعات وتفاعلهم.. هذا الواقع واجه إرثاً تعليمياً مقاوماً للتغيير، وضرب بجذوره في ماضٍ نشأ فيه التعليم لخدمة عصر صناعي وزراعي ويفتقر لاحتياجات المجتمعات العملية.
في عالم اليوم عالم التغيير السريع في جميع المجالات، بات من الضروري تصميم نظام تعليمي قائم على الكفاءات القادرة علمياً ومعرفياً وتربوياً، على تأهيل القوى الدافعة للإمساك بمقود عجلة التنمية، مراعية في ذلك جميع الأبعاد داخل وخارج المنظومة التعليمية مع التركيز على مسارات التطوير المهني.. ليس ذلك فقط بل يُفضل إنشاء شبكة هرمية نظامية تتماشى مع متطلبات العصر والأهداف التعليمية، وتضم الكفاءات التي اجتازت اختبار الزمن وتجارب العمل.. وعلى أن تضم أيضاً بعضاً من حديثي التخرج للاستفادة من إبداعاتهم التقنية والفنية، مع عقد دورات متخصصة واختيار موضوعات متعددة التخصصات وتطوير موارد التعليم والتعلُّم وتعزيز ودعم التعلُّم، حيث إنّ التعلُّم لا يقف عند حد معيّن كما التعليم المحدود المكان والزمن.
إنّ فلسفة التعليم الذي يركز على الطالب في مواقف مستقاة من الواقع، من شأنها أن تحفز الطلاب على التعلُّم.. وتلبي احتياجاتهم وتشجع الطالب على الابتكار واستقلالية الذات والقدرة على المشاركة والعمل ضمن فريق واحد.. ولا يمكن تصور تحقيق تنمية متكاملة الجوانب دون اعتبار التعلُّم من المهد إلى اللحد محوراً مهماً في ذلك.