د. خيرية السقاف
نكوصُ العزيمةِ فشلٌ, وهو نتيجةٌ سالبةٌ عند من يعمل باجتهاد, ومن يتفانى بلا مطامع, ومن يبني ويزيد, ويبذل ولا يتردد, ويبادر ولا يتأخر, ليس حين لا يجد مقابلا من أي نوع, أو تعزيزا من أي أحد لفعله بجملته, أو نوعه, لأنه حينها يكون في مواجهة غير عادلة مع نفسه, إذ من يعمل من أجل المقابل ينم بفعله عن قيمه, بل أخلاقه, فالعمل من أجل العمل, والعطاء لخالص العطاء, والإخلاص لغاية الإخلاص تجرُد نفسٍ من مثالب الضعف, ونقلها لمصاف الفضيلة ففعل المرء, وقناعته به, ويقينه به تمثيل لفضيلته, وهي سيدة أخلاقه, والشاهد الناطق بها,
إذ في الخطاب الإلهي «ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك» تكمن هذه الحقيقة, وتتجلى في عصبة أخلاقه عليه الصلاة والسلام المعطاء المتفاني, الباذل المجد المخلص ,المزيد المطمئن إلى مآلات هذا العطاء والبذل والإخلاص والصدق والتفاني في العمل: إرساء قيم , وفضيلتها في الأرض , وجزاء لا مثيل له في المدخر لا طمع في فانية بما فيها, لذا كان المتطلع إلى أن لا يجعل الله الدنيا «أكبر همنا, ولا مبلغ علمنا».. لم تنكص عزيمته عن المزيد لأن هناك رابطا بين فعله, وهدفه.. والهدف مناط العمل, بل ترسانته المحركة, ودولابه الراكض إن نكوص العزيمة عن الوفاء لفضيلة العمل, وقيم التخلق التطبيقي لها من أجل لفتة من مدير, أو ترقية في مرتبة, أو زيادة في دخل, أو تمكين من منصب, أو تسليط ضوء يخص, أو تمييز بين آخرين ..إنما يكون على حساب هذه العصبة التي تشكل في الإنسان دعائمه, وترفع قدره, وتمنحه أعلى مراتب التفوق, حين يكون تميزه بها جليا.. أما الأرزاق, فمحسومة في السماء موعود بها المرء من ربه حيث لا يجعل الله لأحد عليها من سلطان !!.