جاسر عبدالعزيز الجاسر
هل يتذكر الذين أقاموا في دمشق وعاشوا فيها أو حتى الذين زاروها، من السعوديين والعرب الآخرين، مذاق الأكل في مطاعمها خصوصاً في ضواحيها، في الزبداني ومضايا وحرستا وكل الضواحي الجميلة التي كانت تحف بدمشق، فتصنع جواً رائعاً معطراً بالروائح الجميلة وبالناس الطيبين. حتى الأماكن الشعبية وسط المدينة، في الميدان والسيدة زينب وباب توما وغيرها من الأحياء التي تعيش فيها أجواء التاريخ وتذكرك بإنسانيتك، وعروبتك وأنت تعيش بين أهلك وأنت تؤدي صلواتك في الجامع الأموي، وبعدها تخرج للتسوق في سوق الحميدية ثم تتناول غداءك في أحد مطاعمها التي تدعوك إليها رائحة الشواء، وتحلي بطبق من حلويات الشام، ثم تروّح عن نفسك بالجلوس في أحد مقاهي الميدان وتتناول القهوة السوداء أو الشاي المنعنع.
تلك كانت دمشق وأحياؤها الشعبية الرائعة التي تشاهد وجوه أهلها الطيبين السمحين، التي تضم أسواقاً تحفل بكل ما طاب ومطاعم تقدم أشهى المأكولات، تظل مطاعمهم ونواديها ومقاهيها وأسواقها مفتوحة حتى ساعة متأخرة من الليل، ومن يبحث عن مزيد يتوجه للضواحي حيث المطاعم والنوادي التي تجمع بين الخضرة والماء والأكل الطيب.. تلك كانت دمشق وأحياؤها وضواحيها.
والآن ماذا بقي من دمشق؟!.. تتحدث كاتبة إنجليزية عن الحياة في دمشق اليوم، دمشق التي استوطنها الأغراب وتحول أبناؤها إلى مواطنين من الدرجة الثانية، مهمتهم خدمة من سلبوا براءة دمشق وحولوها إلى مكان للقتل والخوف والتسلط.
تقول الكاتبة الإنجليزية (روث ماكلين) في تحقيق نشر في صحيفة الغارديان البريطانية (بأن الحياة في دمشق طبيعية ولكنها هشة) تصف الكاتبة حالة دمشق فتقول إن المسلحين منتشرون في كل مكان، وأنك تقرأ البؤس والقنوط وحتى الكآبة في وجوه الدمشقيين الذي يتحدث أحدهم للكاتبة مشترطاً عدم ذكر اسمه ولا أي شيء يمكن أن يستدل به إليه، بأنهم أصبحوا بعد أن كانوا أسياد المدينة عبيدها، إذ تحولوا إلى مواطنين من الدرجة الثانية بعد قدوم (الجراد الفارسي) إذ إن الإيرانيين أخذوا يستولون على كل شيء تستقدمهم حكومة بشار الأسد وتمولهم سفارتهم بالأموال لشراء المنازل والعقارات حتى أصبحت الكثير من الأحياء في دمشق أحياء مغلقة على الإيرانيين، وبدلاً من المساجد التي كانت منتشرة في أرجاء المدينة انتشرت الحسينيات، وأقيمت حوزة لملالي إيران وأتباعهم في حي السيدة زينب، حيث يقدم إليها أتباعهم من البحرين واليمن وباكستان وأفغانستان والهند وطبعاً الإيرانيون الذين يتولى الكثير منهم الإدارة والتدريس الذي يقترن بالتدريب على أساليب القتال ونشر التشيع وعمليات التجسس؛ إذ يشرف على تلك الحوزات والحسينيات مدربون ومشرفون إيرانيون من منتسبي فيلق القدس.
الإيرانيون في دمشق هم الأسياد ونحن علينا أن نخدمهم ونقدم كل ما يطلبون.. هكذا تحوّلت دمشق مثلما يؤكد المواطن الدمشقي للكاتبة الإنجليزية التي تختم مقالتها بأن المدينة التي كانت تسهر للساعات الأولى من الصباح أصبحت تنام في أولى ساعات المساء بدون أمان، وخوف استوطن السوريين.