د. عبدالرحمن الشلاش
عندما كنت طالباً في المرحلة المتوسطة كان في المدرسة معلم رياضيات من قطر عربي شقيق. برغم دقته الشديدة ومواظبته الملحوظة على الدوام وتميزه في الشرح إلا أن ما يؤخذ عليه أسلوبه المستفز لبعض الطلاب خاصة وأنهم في مرحلة المراهقة ويحتاجون للاحتواء والحفز والتشجيع لكنه يلجأ لأساليب تزيد من التوتر والقلق وتشحن الأجواء إذا ما قيست بزمننا هذا زمن الراحة والاسترخاء.
في قاعة الاختبارات كان يستعرض قدراته الصوتية العالية ويرمي بعباراته ذات الوقع الشديد في نفوس الطلاب, ويكرب وجهة بطريقة عجيبة كي يظهر عابسا متجهما مقطب الجبين. يذرع القاعة جيئة وروحة، وعندما يقترب من طالب متوقف عن الكتابة مؤقتا لالتقاط الأنفاس، أو أخذ وقت مستقطع لمزيد من التأمل والتفكير يضرب الأرض بقدميه بشدة ثم يصدح بعباراته المعروفة بين الطلاب آنذاك «ذنبك على جنبك يا مسكين» ثم يردفها بعبارات أخرى تشتت أذهان الطلاب مثل المقولة الشهيرة في ذلك الوقت «عند الامتحان يكرم المرء أو يهان»، ثم يدور بطريقة سريعة ليقف عند طالب آخر حتى ينتهي زمن الاختبار وهكذا.
برغم هذا الشحن والاستفزاز كان الطلاب أشداء واثقين من أنفسهم لا يبرحون على أوراقهم منكبين يكتبون ويجيبون ويسابقون الزمن ليقدموا كل ما لديهم ليحصلوا على أعلى الدرجات. لم تكن تلك العبارات مؤثرة لأن نوعية الطلاب في ذلك الوقت مختلفة تماما عن طلاب هذا الزمان. كان الطلاب يدخلون قاعات الاختبارات وهم في كامل الاستعداد النفسي والمعنوي والعملي، كانوا على درجة كاملة من الثقة فكانت مثل هذه العبارات تزيدهم مناعة مضاعفة حتى إذا ما تكيفوا معها صاروا يضحكون عند إطلاقها، ويعدونها من باب المرح والنكتة التي تروح عن نفوسهم المتعبة وأجسادهم المنهكة من السهر والمذاكرة المستمرة وفي النهاية يحصلون على أعلى التقديرات.
قد لا أبالغ حين أعتبر خريج الثانوية العامة في ذلك الوقت أفضل علميا من الحاصل على الشهادة الجامعية في هذه الأيام. كان التعليم قويا، والأهم أن الطلاب كانوا يقدسون العلم ويسعون للحصول على أعلى الشهادات.
تصوروا لو أن ذلك المعلم موجود حاليا يدرس في إحدى المدارس ربما يقع الطلاب في حالات إغماء من تأثير تلك العبارات. اليوم يقدم للطلاب أيام الاختبارات كل شيء حتى أن المعلمين تحولوا لخدمة الطلاب وتقديم المشروبات الباردة والساخنة على مدار الساعة والفطائر والسندوتشات، والترويح عنهم بشتى الوسائل فهل أضافت هذه الحفاوة شيئا للتعليم.
نلاحظ أن المستويات في تراجع مخيف ولا هيبة للتعليم في نفوس الطلاب فهل بإمكان الوزارة إعادة شيء من الهيبة المفقودة منذ سنوات؟ أتمنى ذلك.