د. محمد عبدالله الخازم
استكمالاً لمقال كليات الطب "خيبة كليات الطب" وما من نقاش، أؤكد بأن صناعة طبيب متميز تشكل عملية تعليمية وتدريبية معقدة وممتدة لسنوات، تتجاوز مجرد تعليم معلومات و مهارات إلى صناعة متعلم دائم بشخصية جديدة لها مواصفات متعددة الأوجه ما بين الممارسة المهنية والعلم النظري وما بين الاهتمام بتطوير الذات والمنافسة من جانب والالتزام بمعايير أخلاقية متقدمة في كافة أوجه الممارسة الطبية، وغير ذلك. تعليم الطب الحديث يتطلب توافر عناصر عدة، منها على سبيل المثال -وفق موضوعنا- وليس الحصر:
1- نضج شخصية المتعلم وقدرته على اختيار المهنة ومجابهة متطلبات تعليمها وممارستها.
2- اختيار الأفضل في ظل ازدحام وكثرة المتقدمين للعمل في المهنة.
3- حصول المتعلم على قدر كاف من المعرفة بالجوانب النفسية والاجتماعية والتواصلية.
4- تعلم القدر الكافي من العلوم الأساسية التي تشكل أهم حلقة في الإبداع والاكتشاف الطبي.
5- تطوير المؤسسة التعليمية للطب وتركيز مهامها.
تلك بعض المتطلبات التي لا يتم تلبيتها بشكل كاف في كليات الطب السعودية، التي تتصف -كمثال- بالتالي:
1- يدخلها طالب صغير بعد الثانوية لم يكتمل نضجه الفكري والمعرفي، وأحياناً لا يعرف ماذا يريد وماذا يناسب شخصيته.
2- يتم اختيار الأفضل بناء على درجات الثانوية أو اختبارات لم تصمم للطب وليست مقننة بما له علاقة بمهنة الطب ومتطلبات تعلمها.
3- لا يتعلم طالب الطب ما يكفي من العلوم النفسية والاجتماعية التي تصقل شخصيته قبل بدء تعلم المهارات السريرية.
4- لا تقدم الجرعة العلمية الكافية لطبيب المستقبل ليكون مبدعاً ومكتشفاً. النجاح الذي يحققة الطبيب السعودي يأتي بكونه ممارساً وليس مبدعاً (Innovator) لتواضع ما يتعلمه من علوم أساسية كالرياضيات وعلوم الحياة والفيزياء والكيمياء.. إلخ.
5- كليات الطب لدينا مشتتة مهامها بين تعليم العلوم وتعليم الطب وتعليم اللغة أحياناً.
ما هو الحل لذلك؟
ربما يكون نموذج شمال أمريكا الأنسب عالمياً لتعليم الطب، وهو النموذج الذي لا يتم فيه اختيار خريج الثانوية للالتحاق بكلية الطب وإنما يختار من لديه شهادة جامعية سابقة -تحوي متطلبات محددة من العلوم الأساسية والنفسية- اجتازها الطالب بتميز. كما تجرى اختبارات مقننة للتأكد من ذلك ومن جاهزية الطالب ليبدأ تدريبه الطبي. هذا النموذج من إيجابياته.
1- اختيار أفضل لأطباء المستقبل، حيث خريج الجامعة أكثر نضجاً في اختيار تخصصه من خريج الثانوية لتفاصيل يطول شرحها...
2- وضع صيغة تصفية مناسبة للأعداد الكبيرة الراغبة في دراسة الطب، أفضل من معيار الثانوية أو السنة التحضيرية.
3- تعلم قدر كاف من العلوم الأساسية والنفسية والاجتماعية تسبق تعليم مهنة الطب حيث إن الإبداع والاختراع والبحث المتقدم في المجال الطبي يعتمد بشكل كبير على استيعاب العلوم الأساسية.
4- صناعة المبدعين والمخترعين في المجال الطبي وليس فقط الممارسين.
5- تركيز مهام كلية الطب على تعليم المهنة عن متاهات تعليم اللغة والبحث والعلوم الأساسية وغيرها.. إلخ.
الخلاصة؛ أقترح تطبيق نموذج شمال أمريكا في تعليم الطب بالمملكة لتصبح كلية الطب أربع بدلاً من سبع سنوات، وليسبقها الحصول على درجة جامعية مناسبة...