جاسر عبدالعزيز الجاسر
ليست وحدها (أم القنابل) التي جربت كسلاح فعّال من قبل القوات الأمريكية في أفغانستان، فهذه القنبلة واحدة من التجارب التي تجريها الدول الكبرى في ميادين القتال في الدول النامية والتي تدعي تلك الدول أنها ترسل قواتها لمساعدتها في التخلص من الجماعات الإرهابية أو لإنهاء حكم الدكتاتوريين الذين يحكمون تلك البلدان، أو حتى الإدعاء بالحفاظ على السِلم والأمن الدوليين، وكل هذه الإدعاءات لا أحد يستطيع منعهم من تكرارها مثلما لا يستطيع أحد أن يمنعهم من التدخل العسكري في الكثير من الدول لأنه ببساطة لا أحد يستطيع أن يمنع أمريكا ولا روسيا بل ولا حتى فرنسا وبريطانيا وحتى الدول الأعضاء في الأحلاف العسكرية التي تشارك في الحروب لتجربة ما تنتجه من أسلحة وتطبق ما تعمله جيوشها في المناورات والتمارين العسكرية ويعلم القادة العسكريون أن المشاركة في الحروب حتى في مواجهة جيوش أو تشكيلات قتالية أخرى في أي حرب حقيقية حتى وإن كانت غير متكافئة يحقق الكثير من رفع مستوى وفعالية الجيوش وأفضل بكثير من المشاركة في المناورات والتمارين التي يتدرب العسكريون فيها على خطط جديدة وأساليب مبتكرة في القتال، أما في الحروب الحقيقية فيتم تطبيق كل ذلك واختيار ما تم ابتكاره سواء في تصنيع الأسلحة أو الخطط القتالية، وأساليب النقل والدعم اللوجستي وغيره من المهام التي لا بد منها في الحروب.
الروس والإيرانيون وحتى مدربو المليشيات استفادوا كثيراً من مشاركتهم في المعارك التي تشهدها سوريا، فالروس جربوا العديد من أسلحتهم وبالذات الطائرات المقاتلة التي لا بد من اختبار فعاليتها في تنفيذ الغارات وإصابة الأهداف، كما تم اختبار فعالية الصواريخ وقدرتها على إصابة أهدافها وتم تجريب عدد من الصواريخ التي أطلقت من قواعدها في البحر الأسود وإيران، أما الأمريكيون فقد سنحت لهم الفرصة لتجريب أسلحة أخرى إضافة إلى قنبلة (أم القنابل) في أفغانستان، ففي مكان آخر وبالتحديد في العراق استخدم الجيش الأمريكي آخر ما انتجته مصانع الطيران العسكري في الولايات المتحدة، حيث كشف النقاب عن استخدام الجيش الأمريكي للمرة الأولى لأحدث طائرة من دون طيار والتي تسمى بـ(النسر الرمادي) في معارك مدينة الموصل الدائرة هذه الأيام، وتذكر مصادر الجيش الأمريكي بأنه استلم طائرات النسر الرمادي منذ أكثر من سنة، إلا أنه جربها لأول مرة في المعارك الدائرة في العراق لمواجهة تنظيم داعش الإرهابي ضمن جهود ومكافحة الإرهاب، والطائرة مزودة بأربعة صواريخ جو - أرض من نوع (هيلغاير) إضافة إلى أربع قنابل، إضافية وتتميز هذه الطائرة بنظام الإقلاع والهبوط الآلي الذي يسمح لها بتنفيذ المهام من دون مساعدة بشرية وتبلغ سرعتها 280 كيلو متراً في الساعة وتستطيع أن تبقى في الجو حتى ثلاثين ساعة.
وهكذا مثلما استغل الروس والإيرانيون مشاركتهم في القتال الدائر في سوريا لتجريب أسلحتهم وأساليبهم القتالية، استغل الأمريكيون أفغانستان والعراق وسوريا للقيام بالعمل نفسه، وكل ذلك يتم بهدف مواجهة الإرهاب الذي أتاح لهذه الدول ومثلهم دول أخرى كإيطاليا ودول الحلف الأطلسي التي تشارك في المعارك التي تشهدها ليبيا وبعض الدول الإفريقية التي أصبحت إضافة إلى العراق وسوريا وأفغانستان ميادين تجارب للأسلحة والأساليب القتالية لمصانع الأسلحة وكليات الحرب في الغرب والشرق معاً.