د.ثريا العريض
لماذا, رغم التغيّر الواضح في أوضاع المجتمع وبالذات في تعامله مع المرأة, ما زال تناول الإعلام محلياً وخارجياً لوضع المرأة السعودية يركِّز على الإثارة عبر التقييم السلبي؟
جانب من السبب أن الاهتمام العالمي اليوم مركز على التطرف والإرهاب المتطفل إسلامياً, والسعودية قلب العالم الإسلامي ولذلك فأوضاع المرأة السعودية بالذات تستقطب كثيراً من اهتمام المراقبين والباحثين والمهتمين بشؤون النسوية والجندرية. كذلك يجد المناوئون للنظام الرسمي في انتقاد أوضاع المجتمع مدخلاً لمهاجمة أهلية النظام, ويجدون في أوضاع المرأة منفذاً لتحقيق مآربهم المشبوهة.
وتتفاوت المبالغة في تصنيف وتقييم موقع المواطنة السعودية بين السعادة والعناء والشقاء, من اعتبار البعض لها «محظوظة» بمعاملتها كـ»جوهرة مكنونة», إلى تصنيفٍ مناقض يؤطرها الأكثر فقداً لحقوقها منذ لحظة ولادتها حتى يغيبها الثرى.
وفي الغالب هذا الاهتمام بوضعها لا يأتي حباً فيها لسواد عينيها، بل وسيلة للنصح بدور «أفضل لها» يروّجونه «المرغوب فيه», والقصد استغلاله لمصلحة إيديولوجية جماعة ما.
فأين هو موقعها اليوم بالضبط؟ ومقارنة بمن؟ وكيف ترى المرأة السعودية نفسها؟ وكيف تتناول الدولة التحول المطلوب بنجاح؟
لا تتفق كل المواطنات السعوديات في رؤيتهن. التناقض الحاد واضح بين النبرة الصاخبة للناشطات النسويات مطالبة بحقوق «المرأة», وبين مباركة الداعيات المدافعات عن مكاسبهن في الأوضاع السائدة. وكلا الطرفين يبالغ في تصوير حال المرأة السعودية سوءاً أو خيراً.
وهناك من يحجّم من دور النضج الذي أوصل صانع القرار إلى اتخاذ القرارات المفصلية في أوضاع المرأة, وينسبها إلى الضغوط الغربية. وقد يكون أن لها بعض الأثر في تشجيع قرارات التصحيح, ولكن المتأمل في الخطط التنموية حتى الأسبق زمناً يجد أنها تتضمن إعطاء المرأة دوراً أكبر في المشاريع المتخذة, وأن البحث عن طرق لتفعيل هذه القرارات وتمكين المرأة - عبر التعليم والتدريب والتخصص - والتغلب على التردد المجتمعي كان مستمراً. وأن التلكؤ مجتمعي. أما التشكيك والنقد السلبي للقرارات التطويرية وأن ما يتحقق هو منجز أفراد لا مؤسسات, فهو أيضاً نظرة متجنية تتحاشى الاعتراف بأن التغيير يتطلب جرأة البدء, وأن تجذير التغيير بحيث يدعمه التقبل المجتمعي يتطلب وقتاً كافياً. إدخال المرأة في المجالس البلدية عبر الانتخاب لم يصل درجة النجاح التي تحققت في البرامج المؤسساتية الجديدة التي استوعبت مشاركة المرأة بكفاءة وفعالية بإصرار حكومي؛ مثل الحوار الوطني والأمان الأسري وحقوق الإنسان والمجالس الاستشارية والغرف التجارية والوزارات؛ هذه أثبت نجاحها عمق وصدق الرؤية التي فتحت للمرأة أبواب الترحيب خارج ما تقبله المجتمع كوظائف للنساء في التعليم والخدمات الصحية والفروع النسائية للمؤسسات الخدمية كالبنوك.
الواقع أن تعديل أوضاع المرأة السعودية في معادلة المجتمع والسائد العرفي ما زال يمثِّل للدولة تحدياً وهدفاً مصيرياً. وما زالت الإجراءات -التي تعاني منها المرأة وتشتكي من تلكؤ وتيرة تعديلها رسمياً - تخنق محاولة تمكينها لمواطنة كاملة المساهمة والحقوق. وهي رغم ما أنجز, لم تحقق كل قدراتها, ولذلك فإن تغيير أوضاعها لا بد منه, مع ضرورة تجنب الصخب لضمان نجاحه دون استثارة الرفض ومحاولة الإفشال من المناوئين. كل ما يحتاجه النجاح هو قرار حاسم حازم وتطبيق فوري ومعاقبة من لا يلتزم بالتنفيذ.