أ.د.عثمان بن صالح العامر
ذكّرني خبر عزم معالي وزير التعليم الأستاذ الدكتور أحمد العيسى - الذي تتناقله هذه الأيام وسائل الإعلام المحلية وتغرد به وحوله مواقع التواصل الاجتماعي المتنوعة - إدخال التربية المهنية وورش فنية في الثانويات العامة، أقول ذكرتني هذه المبادرة النوعية - في نظري - بالتقرير الذي رفعته شخصياً لمعالي وزير التربية والتعليم قبل أكثر من عشر سنوات، باعتباري رئيس وفد التربية والتعليم السعودي لدولة فنلندا التي كانت حينذاك تحتل المرتبة الأولى في التعليم العام عالمياً، وما زالت حتى هذا التاريخ تنافس على المراتب المتقدمة في التخصصات العلمية الهامة كما هو معلوم.
لقد كان وفدنا - كما قيل لنا - أول وفد عربي يصل لهذا البلد البارد، ولذا فقد حظينا بترحيب غامر من الأسرة التعليمية هناك، وأتيحت لنا الفرصة الكاملة للاطلاع على التفاصيل الدقيقة للتعليم الفنلندي الأكثر من رائع.
سبب تذكري للتقرير والزيارة هذه التوجه الوزاري المحمود لإدخال التربية المهنية في التعليم العام، إذ أن التقرير المشار إليه أعلاه عرض بالوثائق والصور الورش المجهزة تجهيزاً كاملاً في المدارس» نجارة ودهان، كهرباء، سباكة»، مشيراً إلى أن هذه المادة تدرس بدءا من المرحلة الخامسة وحتى التاسعة فيما ينعت عندهم بالتعليم الإلزامي، ثم ينتقل الطالب بعد ذلك للمرحلة الثانوية التي يتخصص فيها حسب ميوله ورغبته وبناء على معدله الذي حصل عليه فيما سبق.
أذكر أن فريق الزيارة أكد بالإجماع على أهمية تبني إدخال تدريس المهن في التعليم العام، (من أجل إعداد هؤلاء الصغار لمواجهة الحياة).
ولكن.. وهذا هو المهم، لابد - من وجهة نظري الشخصية - أن يسبق تبني هذه المبادرة وإقرارها على الطلاب أمور عدة أهمها:
* وجود جانب نظري للمادة يؤكد على أهمية كسب الإنسان لقمة عيشه بيده، ومنزلة هذا الأمر في الإسلام، ويذّكر كيف كان الأجداد والآباء في سنوات مضت يكدون ويكدحون، يأكلون من عرق جبينهم دون شعور بالعيب أو الترفع عن هذه المهن.
* التجهيز الكامل للورش وتوفير جميع متطلبات إنجاح هذه المبادرة.
* اختيار مدربين أكفاء يقومون على تنفيذ هذه المبادرة بشكل جدي.
* جعل المبادرة ذات شقين «طلاب»، ويتدرب الطالب على اكتساب مهارات النجارة والكهرباء والسباكة، و»طالبات» وتتدرب الطالبة على اكتساب مهارة الطبخ والاتكيت.
* التأكيد على إدارة المدارس المختارة للتطبيق عدم تكليف الطالب والطالبة إحضار مستلزمات العمل المهني من حسابهما الشخصي.
* البدء بتطبيق هذه المبادرة في عدد من المدارس بمناطقنا التعليمية المختلفة، ودراسة التجربة ورصد نتائجها بشكل دقيق في نهاية العام الدراسي 1438- 1439هـ قبل تعميمها.
قد يقلل البعض من شأن هذه المبادرة مع أنه في بيته اليوم لو أراد تغيير فيش كهرباء أو تعبئة فريون مكيف أو إصلاح مغسلة أو... بحث عن كهربائي وسباك ودفع له أكثر من استحقاقه نظير جهده، فهو لا يعرف أبسط الأمور في هذه الأعمال المهنية التي نحتاجها جميعاً في كل وقت وحين وأنا أولكم، شكراً معالي الوزير، فهذا وأمثاله هو التغيير الذي نريده في تعليمنا، على أن يتواكب مع هذه الخطوة وما شابهها من خطوات تعد الطالب ليخوض مضمار الحياة بنجاح تبدل في المفاهيم حيال العمل اليدوي، واختلاف في النظرة للعامل أياً كانت مهنته، واكتساب للسلوك الإيجابي حين التعامل معه، دمتم بود والسلام.