يتساءل الكثيرون من أمثالي عن معرفة الثغرات التي دخل منها المتسولون إلى بلادنا وانتشارهم بهذه الكثافة الهائلة الملفتة.. وفي نفس الوقت نندهش ونحن نرى الموقف غير الحازم الجاد في القضاء على هذه الظاهرة وترحيل أصحابها.. ومعاقبة المتسترين عليهم والمتعاطفين معهم غير آبهين ولا مكترثين بما تتركه من سلبيات بأنهم من أبناء هذا الوطن بخلاف الواقع.. إن بلادنا تعج على مدار العام بآلاف المتسولين ومن أكثر الجنسيات معظمها عن طريق دولة مجاورة ينتشرون في كل مدينة وقرية ويتواجدون أمام كل مسجد وفي الأسواق التجارية وأمام المطاعم والبنوك ومعظم الإشارات المرورية.. ويتحلقون مجموعات آمنين مطمئنين وكأنهم خفرة أو جنود حراسة؛ وقد بدأ بعضهم يطور نفسه مع الأيام ويتفنن في أسلوب التسول بعد انكشاف حقيقة الأساليب الخادعة القديمة التي كانوا يلجؤون إليها مثل حمل الصكوك المزيفة والتزكيات الملفقة والتظاهر بالعاهات والأمراض وانكشاف أمرهم؛ حيث وجد أن الكثيرين منهم أصحاب غنى وثروة ولكن كما قال المثل: من شب على شيء شاب عليه.
وقد بدأ بعضهم بابتداع وسائل وطرق جديدة للنصب والكذب والخداع منها الإلمام باللهجات السعودية والظهور بالمظهر السعودي من حيث الملبس رجالاً ونساء ليوهموا الناس بأنهم من أهل هذه البلاد وبالطبع مع الأيام وطول الخبرة في مجال التسول والاختلاط بالناس سوف تنطلي أكاذيبهم ومظاهرهم على البعض وخاصة أصحاب العواطف الرقيقة أو العقول السطحية.
ولنأخذ نماذج مختصرة من أحاييلهم وكذبهم وعينات من مشاكلهم المختلقة: التي يستدرون بها عواطف الناس ومساعدتهم والطرق التي يسلكونها على سبيل المثال.. إحدى المتسولات المحترفات تنتحل اسم إحدى الأسر المعروفة بالمجتمع، وبعد ذلك تقوم بمسح إحدى الحارات فتعرف البيوت وأسماء ربات البيوت فتدخل أحد المنازل بطريقة أو بأخرى فتنادي بصوت مسموع يا أم فلان فيسقط في يد صاحبة المنزل عن هذه الضيفة التي دخلت إليها وتناديها باسمها وتعرف الكبير من أولادها ولكن لعلها تعرفها من قبل ومع الأيام غابت عن ذاكرتها أو لعلها من الجيران الجدد وبعد السلام والكلام المعسول تقوم بشرح مشاكلها الوهمية الكاذبة بأسلوب خادع مع بعض دموع التماسيح والطمع وإنها ما جاءت لها إلا عن معرفة من الجيران الذين أوصوا بزيارتها هذه لتعرض مشاكلها وتلتمس مساعدتها المادية فتذكر هذه المحتالة أن زوجها يعاني من مرض القلب وأن ابنها يحتاج إلى زراعة كلية وسوف يسافر إلى لندن لهذا الغرض وأن المصاريف والتكاليف فوق طاقتها.
وهنا تقوم صاحبة المنزل بعاطفة وأريحية وإشفاق وقد انطلت عليها هذه الأكاذيب لأنها مؤطرة بادعاء شهادة الجيران وتوهم المعرفة السابقة وتسارع بإعطائها ما تجود به وبأريحية فياضة، يعقب ذلك الوداع والانصراف ومن الغد تبدأ الهمهمات والهمسات بين نساء الجيران بداعي الفضول ويفرض الحديث نفسه بقوة عن هذه المرأة وتشرح كل واحدة الموقف لجارتها وإذا بهن قد أكلن نفس المقلب لأنها كانت تأخذ المعلومات عن كل واحدة من الأخرى وينكشف المستور ولكن بعد فوات الأوان؛ علماً بأن هذه المحتالة غير سعودية ظلت تخدع الناس بحبائلها أكثر من عشر سنوات ومرت على معظم أحياء وحارات الرياض وضواحيها وبالتأكيد إنها تمثل مسرحيتها حتى الآن في مناطق أخرى هي وأمثالها.
والموقف الثاني من ألاعيب وحيل المتسولين أحدهم يطرق باب منزلي (عصراً) فخرجت إليه وإذ برجل بكامل الهيئة والفخامة وأثر النعمة يبدو على مظهره وسيارته ذات النوعية الممتازة وبعد المقدمات ذكر لي بأنه يقوم بعمارة مسجد جامع كبير في الخرج على حسابه وأنه أوشك على النهاية وبقيت الإنارة والفرش والتكييف وأنه جاء ليشركني بالأجر وذلك بإعطائه بعض المبلغ لتغطية التكاليف التي أشار إليها وبما أن أحد جيراني صاحب مؤسسة متخصصة بالأدوات الكهربائية والثريات فقد خطر ببالي في تلك اللحظة وقلت لصاحبي ما يكون إلا خيراً فسوف اشتري بما أقدر عليه وأحضرها لك بنفسي وطلبت منه تحديد الموقع والموعد الذي نلتقي فيه بالخرج وهناك تغيرت لهجته وقال بتلعثم: لا أريد أن أكلف عليك بالحضور لبعد المسافة وبدأ التردد عليه في إعطائي العنوان وانصرف متثاقلاً وهو يتمتم ببعض الكلمات غير المفهومة واتضح فيما بعد أنه متسول محترف ومحتال قديم من جنسية غير سعودية ومع ذلك ما زال يخدع الناس بحيله الكاذبة التي ربما تنطلي على الأغرار ممن ينخدعون بأمثال هذا المحتال المحترف لقصر نظرهم وضحالة تفكيرهم.
وها نحن نعيش طفرة أو طوفان من المتسولين احتلوا ساحات الأسواق وأبواب المساجد وجميع إشارات المرور وعطلوا الحركة فماذا بعد.. وهنا نقف وننتظر، والله المستعان.