عبده الأسمري
في سيرته السعد وفي وجهه تعابير الخير وعلى محياه تباشير العطاء.. أمير شهد له الوطن بالوفاء واستشهد له الواقع بالعطاءات والخيرات والمسرات التي طالما رسمها على طريقته ووفق منهجه.
إنه صاحب السمو الملكي الأمير سعد الفيصل بن عبدالعزيز -رحمه الله- الذي انتقل إلى رحمة الله قبل أيام مخلفاً وراءه إرثاً من السمعة الطيبة وتركيبة من الفخر الوطني وسجل اسمه في خانة «النبلاء» وسجل «الفضلاء».
كان الفيصل يسير بسرية في درب بعيد عن الفلاشات والأضواء، حيث أحب أن يصنع الفرح ويبلور البهجة ويخطط للأعمال الخيرية.. فكان له حضوره البارز في قلوب الضعفاء والمحتاجين والمكلومين ووجوده الأبرز اسماً تردد في ذاكرة العمل الخيري.. يتردد أمام ساحات الجوامع، وحيث يسأل عن شخصيته تكون الاجابات مختصرة في «الخير» منتصرة في ساحة «الكرم».
بوجه فيصلي مركب من ملامح والده الملك فيصل وتجاعيد جميلة رسمها العمر المليء بالحسنى فأضفت عليه الهيبة والتشابه الأكبر مع اخوته. وعينان واسعتان تصنع البسمة وتظهر الحكمة وشيب كسا وجهه الطفولي فزاده وقاراً واعتباراً. ومحيا حاسم ومظهر باسم وكاريزما أميرية فاخرة تتقاطع مع تواضع مهيب وتناسق عجيب في شخصية مركبة من النبل والفضل يطل الأمير سعد الفيصل رمزاً مؤثراً وعزاً بشرياً مؤطراً ببرواز معتق من السمو والعمل والعلم ظلت عطاءاته «منهجاً» للثبات و«منهاجاً» للسمات المملوءة بفضيلة الرحمة ووسيلة قضاء الحاجات.
شهداء الأرض يحضرون بعد موت الخيرين كأمثال الفيصل.. المشاهد البشرية في جنازته سجلت الذكرى الطيبة.. كانت عيون تبكي جهراً على فقدانه ولكن أعين كثيرة ستظل تبكيه سراً بعيداً عن الظهور كما كانت طريقته.
تربى الأمير سعد في كنف والده وكان شغوفاً بسيرة والده حياً وبعد رحيله عطوفاً بطالبي الحاجات فتعلم بين طرفي معادلة تربوية فاخرة وعمق أدبي باهر من والده الملك فيصل ووالدته الأميرة هيا، فورث عنهم حب المساكين وعشق الوطن والولع بإسعاد الآخرين.
درس في جامعتي كمبردج وبرينستون عاد لأرض الوطن يحمل في عقله المعرفة وفي قلبه طموحات الوطنية وفي روحه بشرى الكفاح. وعمل نائباً لرئيس شركة بترومين لشؤون التخطيط, ثم ترك الخدمة المدنية وتفرغ لأعماله الخاصة التي كانت منبعاً ومكمناً جادت به أياديه البيضاء في أعمال خيرية متعددة كان شماله لا تعلم عن إنفاق يمينه، وكان عنوانه فيها «الكتمان والخبيئة» وتفاصيله «ابتسامات رضا وبسمات قناعة وابتهالات شكر وبصمات نماء إنساني.
بين إخوته الفطاحلة في المسؤولية كان سعد «ملهماً» بروحه الجميلة «مستلهماً» بذاته لذا كان «قافية» و«قصة» و«احساساً» و«أملاً» و«موجهاً» و«بطلاً» في قصائد شقيقه الأمير خالد الفيصل حتى نطق الشعر باسمه فبات قريناً للإبداع في شعر أخيه الذي أحبه كثيراً وبكاه أكثر في حضرة جنازته التي كانت مشهداً كشف عن «حبه في الأرض» و»اشتياقه بعد رحيله».
سيتذكر البسطاء تلك الابتسامات العميقة التي كانت تنادي دواخلهم بحنان الانسان الذي كان عنوان الفيصل لذا كانت بسمته «سحنته» الأبرز في السر والعلن أنيسته في السراء ومؤنسته في الضراء.
شخصية فاخرة بالعون مفتخرة بتواضع مكنون سارت بشهامة واستقامة في درب يشع ضياء من الجود. احتضن جثمانه ثرى مكة التي طالما عشقها وأحبها. وترك خلفه دموعاً عصية بكته فرحاً في حياته ونحبت عليه ترحاً حين رحيله.
رحل الفيصل وقد أسعد الكثير وأنشد العديد من أمنيات قلبه بتوليفة النجاح الفريدة. وكما هم العظماء ترك وراءه إرثاً مهيباً من العطر الإنساني التي فاحت رائحة خيراته بين العامة والخاصة لتكون انجذاباً للدعاء والرحمة له وتذكر سيرته الممطرة بالصفاء والمعطرة بالاستيفاء وطناً ووطنية سمواً وإنسانية.
رحل بعد سنوات من المعاناة والمرض تاركاً في قلوب من عرفه وعاصره وسمع عن ذكره «الطيب» حباً ارتبط بالخلق الحسن والطيبة العميقة كوجه للمكارم وواجهة للمغانم الحقيقة التي خلفها في ذاكرة الوطن بشخصه وشخصيته ونبله وفضله بسيرته ومسيرته وبقامته السامقة الشامخة.