د. خيرية السقاف
لا أحسب أن أمراً يدمر السلام بين الأفراد تدميرا، ويفعل بالمرء من الأنانية.. هذه هي محضن الكراهية, والغضب, والحسد, والظلم, والغيرة, والحقد.. وبعض من هذا يكفي بذاته لطمس البصر, وإغراق البصيرة, وضلالة العقل, وجهالة المدارك, وإيقاد الصرعة, إذ بها ينبعث الانتقام, وتجمُل الحيل, ويسهل حوك الخطط لإيقاع الطرف الآخر, وإسقاطه في مضمار الصراع.. وإذ هي فتيل النار, وموقدها في الحرب بينه وبين كل من ينافسه, ويناكبه, أو يتخطاه, ويتفوق عليه, أو يعلو عليه, أو يجني أكثر منه.. «الأناني» إن كان فردا فهو وبال على نفسه, ومن حوله, وما حوله, وما في الدائرة التي تتسع فتشملهم.. حيث يكون تعم الدكنة في النفوس, ويشيع القلق, والتوجس, ويضطرب الهادئون, لا تطيب العلاقات بوجوده, ولا تسكن القلوب في حضرته, ولا تنقى السرائر وهو يبث ظلمته, ولا تصفو الأفكار وهو يذر غباره.. إن اتقاء الأناني جهد, وأيما جهد.. وساحة الحياة تكون آهلة بالفسائل الخضراء, مجرى لمنابع العذب، حين لا يكدرها الأنانيون, فمتى كانوا انحبست مجاريها, وفسدت أجواؤها.. والماء «إن لم يجرِ لم يطب»!!.. هذا في محيط الإنسان والآخر فكيف إن كانت أمم كبرى يقودها أنانيون, بكل صفات الأنانية ومغباتها, وسماتها ونتائجها؟! ما مصير دفة السلام بأيديهم وهم يعتركون في أمورهم الشخصية, وفي أمورهم العملية, وفي الشأن البشري بأرض تحمل, وباطن ثرى يكتنز, وفضاء يدور فيه كوكب آهل بسكانه..؟! أي مصير للإنسان والهواء متخم بأنفاس الأنانيين المحترفين؟! وأي سلام يرتجى في المتاح من المدى ؟! السلام على النفوس ما كانت في دائرة الإنسان واحدا في جماعة, مطهرة من الأنانية ومغباتها.. والسلام على الأمم ما اتسعت مساحاتها فوق الأرض, ناجية من الأنانية ومُهلكاتها !! ذلك لأن الأنانية شبيهة بأم «القنابل», تلك تدمر وتفني, وهذه تفعل المثل و لا غير التفاصيل!!..