د. أحمد الفراج
منذ انتخابات الرئيس الأمريكي ترمب، تزداد قناعتي، يوماً بعد يوم، بسوء مرحلة أوباما، والتي كان معظمها سنيناً عجافاً على علاقات أمريكا التاريخية بالمملكة، وقد كتبت مراراً أن المثقف لا يصلح أن يكون زعيماً سياسياً، فالسياسة هي فن الممكن، وهي خليط من الدهاء الفطري والشجاعة والإقدام، ومعظم الساسة الذين غيروا وجه العالم لم يكونوا من طبقة المثقفين، والغريب هو أن أوباما كان يعتبر الرئيس التاريخي، ابراهام لينكولن، مثله الأعلى، مع أن الأخير اتخذ واحداً من أعظم القرارات في التاريخ البشري، وهو قرار إلغاء الرق، والذي تسبب بحرب أهلية عنيفة في الداخل الأمريكي، نتج عنها موت خلق كثير، وانتهت بانتصار ساحق لأفضل رؤساء أمريكا، فالزعيم العظيم هو الذي يتخذ القرار الصعب بكل شجاعة وإقدام، مهما كان هذا القرار يبدو مستحيلاً.
عندما فاز أوباما بالرئاسة في مفاجأة تاريخية، رقص المسلمون والعرب ابتهاجاً، معتقدين أنه سيكون المنقذ العادل لقضاياهم، ولعلكم تذكرون تلك المقالات التي عجت بها الصحف العربية، ثم قلب أوباما ظهر المجن للجميع، وانقلب على الإرث التاريخي لعلاقات أمريكا بالمملكة، لأسباب أيدولوجية وشخصية، وإلا كيف يستقيم أن يدير أوباما ظهره لحلفاء أمريكا التاريخيين، لصالح نظام إسلاموي فاشي، طالما أعلن العداء لأمريكا، ودعم كل الحركات الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط، واستهدف المصالح الأمريكية، وقد عهد عن أوباما، حسب تصريحات وتسريبات ووثائق، أنه شخص عنيد، لا يأبه بآراء مستشاريه، وهذا خلاف آلية «ماكينة صنع القرار الأمريكي»، التي تتكئ على نظام مؤسساتي عريق، وتعتمد على دراسات، تقوم عليها مؤسسات أكاديمية معتبرة، فأوباما، كمثقف مطلع، اعتقد أنه يستطيع أن يحل مشاكل الشرق الأوسط، عطفاً على نظريات أيدولوجية لا واقعية سياسية.
كثيراً ما سُئلت عمّا أن كان هناك تناقض بين تفرد الرئيس الأمريكي باتخاذ قرار ما، وبين ما أكتب دوماًَ عن أن النظام الأمريكي نظام مؤسساتي عريق، ترسم خططه لعقود، وجواب هذا سهل، فهناك خطوط عريضة لسياسات أمريكا الخارجية، لا يستطيع أي رئيس تجاوزها، ولكن يستطيع الرئيس القوي أن يتخذ قراراً لا يتعارض مع الخط العام، وكمثال على ذلك، فإن الخط السياسي الأمريكي العام هو أن إيران الملالي تمثّل خطراً يجب التعامل معه، ولكن يختلف التعاطي مع ذلك، حسب شخصية الرئيس وإيدولوجيته السياسية، ومثلما أن كل رؤساء أمريكا السابقين، منذ عام 1979م، تعاملوا مع ملف إيران بحزم، عن طريق التضييق والحصار، إلا أن أوباما اعتقد أنه يستطيع أن يحل هذه المعضلة سلمياً، لا عن طريق الحصار أو القوة العسكرية، ومضى في هذا السبيل بقوة، وتحقق له إنجاز شخصي، كما كان يتمنى، ولكنه فعل ذلك على حساب أهم حلفاء أمريكا، وبالتالي فقد خلط أوراق هذه المنطقة الملتهبة من العالم، ثم رحل تاركاً إرثاً ثقيلاً للرئيس ترمب، والذي بدأ الحملة التصحيحية منذ اليوم الأول، وذلك بإعادة مسار علاقات أمريكا بالمملكة لمسارها الصحيح، ثم ضرب نظام بشار الأسد، وما زال لديه الكثير ليفعله، لتصحيح إرث أوبامي السياسي في منطقة الشرق الأوسط!