جاسر عبدالعزيز الجاسر
كيف تكون حالتك النفسية والصحية والاجتماعية والاقتصادية إن فُرض عليك مغادرة منزلك ومدينتك؟.. وكيف ستكون حالتك إن فُرضت عليك الهجرة والتهجير إلى مكان آخر تعلم أنه لن يوفر لك الأمان؟.. إذ قد تُجبر على مغادرته والهجرة منه مرة أخرى بعد أن أُجبرت على مغادرة منزلك الذي عشت فيه مع أبنائك!.
هذه الحالة هي التي يعيشها أكثر من عشرين ألف سوري يتعرضون للتهجير من مدنهم ضمن صفقة عُقدت بين نظام الأسد ومليشيا حزب الله اللبناني من جهة وبين جبهة النصرة التي تحمل مسمى (فتح الشام) من جهة أخرى، وبرعاية إيرانية وقطرية.
تشتمل هذه الصفقة على بنود عدة، لكن أهمها هو تكريس التغيير الديمغرافي من خلال تفريغ مدن سورية من سكانها بإخراج مواطنين سوريين يعتنقون مذاهب مختلفة، إذ إن الصفقة تنص على مقايضة سنة الجنوب (سكان الزبداني ومضايا) بشيعة الشمال (الفوعة وكفريا).
طبعاً سيتم إحلال أقوام وجماعات من قبل المليشيات التي تسيطر على البلدات الأربعة، فالزبداني ومضايا سيتم بهما إسكان أسر إيرانية وعراقية وحتى أفغانية شيعية من ذوي المقاتلين من عناصر المليشيات الطائفية التي تقاتل في سوريا. والهدف هو تشكيل حزام طائفي لتطويق دمشق التي يتم تحويلها إلى مدينة شيعية بعد عمليات عدة لتهجير أهلها من السنة وتحويل أحياء دمشقية إلى تجمعات شيعية مطلقة مثلما جرى بمنطقة السيدة زينب التي تحولت إلى حي الزينبية.
أما بلدتا الفوعة وكفريا اللتان فرغتا من سكانهما الذين يعتنقون المذهب الشيعي، واللتان تسيطر عليهما (جبهة النصرة)، فحتماً سيتم إسكان بدل منهم أسر وأهالي مقاتلي جبهة النصرة (فتح الشام) وأغلبهم من المقاتلين الأجانب ومعظمهم من القوفاز الشيشانيين والتتر وأبناء الجمهوريات السوفياتية السابقة.
طبعاً سيتم ترحيل سكان الزبداني ومضايا إلى محافظة إدلب، والأغلب أنهم سيقيمون في البلدتين الشيعيتين (الفوعة وكفريا)، والعكس تماماً حيث سيقيم من رحل من الفوعة وكفريا في الزبداني ومضايا، وهو ما يؤدي إلى اختلاط ومعايشة من هُجر بين أوساط المتطرفين من كلا الجانبين، مما يعني توسيع مساحة التشدد والإرهاب وزيادة الكراهية بين أبناء الشعب الواحد خصوصاً أن كل المهجرين يشعرون بغبن وقهر بعد ترحيلهم من مدنهم وفقدانهم منازلهم، وهو ما يعني استمرار المعارك والقتال في سوريا والتي لا بد وأن يكون وقودها أبناء هذه الأسر التي أصبحت أدوات لتحقيق أطماع الدول والجماعات الإرهابية وبالتحديد دولة ملالي إيران، والذين يقفون خلف الجماعات الإرهابية من جبهة النصرة وغيرها التي رفضت الانخراط في مباحثات استانة بحجة عدم اعترافهم بشرعية نظام بشار الأسد ومليشيات إيران، ومع هذا تبرم اتفاقاً مشبوهاً مع من رفضتهم سابقاً، والذي سيحقق الكثير من أهداف ملالي إيران والمليشيات الطائفية، فإضافة إلى منحهم مكاناً لاستقدام أسر وأهالي المليشيات الطائفية وإسكانهم حول العاصمة دمشق، تفرغ محافظة إدلب من مواطنين سوريين ينتمون إلى مذهب يحرج المليشيات الطائفية كثيراً إذا ما استهدفت مدنهم.
وتفريغ البلدات الشيعية سيتيح لقوات نظام بشار والمليشيات الطائفية والقوات الإيرانية استهداف كل مدن محافظة إدلب.