عبدالحفيظ الشمري
يمثل البيت التراثي بطرازه المعماري القديم هوية المنجز الاجتماعي الذي ينتج مكوناته ومحتوياته مما في الطبيعة من مواد ضرورية وجمالية، على نحو المواد الطبيعية من الأرض كالطين وسعف النخيل والأخشاب الملونة، ويمكن تشييده بتعاون بعض الأشخاص، ويكون لهم بالغالب رئيس له خبرة مميزة في البناء يسمى «أستاذ» وفي اللغة المحكية والدارجة: «ستاد».
ويعتمد البناء على خبرة فطرية في توخي الحذر في إقامته؛ على نحو تشييده في مكان مرتفع قليلا، لكي لا يكون عرضة للسيول الجارفة، مع أهمية ترك مجال يسمح بدخول الإضاءة والهواء المناسب، ومراعاة اشتراطات واجهات المنزل ليقاوم الرياح الباردة في الشتاء، وعدم فتح النوافذ على الخارج لمزيد من خصوصية المنزل.
البيوت الطينية التي أصبحت الآن جزءا من الماضي وتراثاً يمكن لنا تأملها، والتعرف على أدق مكوناته الجميلة التي تعد في الأساس صديقة للبيئة وحميمية في تفاصيل المكان.. ففي الشتاء يشعر قاطنيها بالدفء، وبفصل الصيف يشعرون عادة بالاعتدال.
هذا ما يتعلق بالجانب المادي للبيت الشعبي أو الطيني أو التراثي أما في الجانب المعنوي فإن هناك حنيناً يغمرك ساعة أن تطالعه، أو تتجول بين في ما تبقى من باحاته، وجدرانه، وأبوابه، لتتحول هذه المشاهد إلى فضول عجيب، وأسئلة عميقة؛ عن سر هذا الماضي الذي يأسر الألباب، ويجعله محط أنظار الناس، ليقصدوا زيارته، وتأمل تفاصيله بدهشة وإعجاب؟!
فمن المناسب والواجب أن تتم المحافظة على هذه البيوت القديمة بهيئتها التراثية المتميز، وأن تبقى مقاومة لعناصر الفناء والزوال، كالهدم وقرارات الإزالة الجائرة، وذلك من خلال صيانتها، والمحافظة على هويتها القديمة.
فما يلاحظ على البيوت الطينية القديمة أنها تحولت إلى سكن للعمالة، التي لا يمكن أن تكون معنية بالمحافظة على سلامتها، أو أن تكون هناك تجاوزات في الاستخدام، وأن يكثر فيها الأشخاص، وتكون مأوى لبعض العمالة السائبة؛ مما قد يتسبب في تحويلها إلى أحياء تفتقر إلى وجود الهوية الوطنية، وخلوها من روح الحي القديم، كما يجعلها عرضة لسوء الاستخدام.
ومن أبرز احتياجات البيت الطيني القديم هذه الأيام، أن يكون له هوية، أو بطابع تراثي جميل، يبقي - قدر الإمكان - على محتويات البيت القديم، من أدوات شعبية، ومواد تراثية، ومتعلقات أصحاب البيت على نحو حرفهم ومشغولاتهم، ووجود المكتبات الخاصة، والمقهى اليومي لأهل الحي، لأن إعادة روح البيت التراثي تتمثل في عودة أهله له معنويا، وتحسين فرصة التردد عليه، وزيارته بشكل منتظم.
ويتطلب الأمر الدعوة إليه كمنجز حضاري وإنساني غاية في الروعة والجمال، حيث يمثل هوية الإنسان في عقود سابقة، مع ضرورة إيجاد نماذج متكاملة من هذه البيوت التراثية في كل المناطق، مع الحفاظ على هويتها، وحمايتها، لتكون ذخيرة معنوية للأجيال القادمة.